شعر: تمام التلاوي شعر: تمام التلاوي

سوريّا

عندي من الكلمات ما يكفي لوصفك ياسمينا ياسمينا

وأقول «سوريّا» كوصف للمجرّة،

ليس كاسم للبلاد.. ولا كنصل غارَ فينا

وأقول «سوريّا» كأني لستُ أعنيها تماما

بل أشبّهُ باسمها قطْرَ النّدى فوق الرموش

ولا أسمّيها الحنينا

وأعوذ بالحرية البيضاء من قنّاصة أرواحهم سوداءُ مثلَ ثيابهم

وأحرّر السجّانَ مني والسجينا

أنا مارقٌ عن لعنة الكتب القديمة والطوائف

لا أصدق أيّ وَحي غيرَ وحي الياسمين

ولا أصدق أي صوت غيرَ تغريد البلابل خارجَ الأقفاص

تكتظّ الشوارع بي كما تكتظُّ بالورد الجنائنُ

في ربيع ظلّ مختنقاً بحنجرتي سنينا..

***

 مطرٌ خفيفٌ بانتظارك

واقفان معا

ووجهي الآن مبتلٌّ تماماً مثل شَعرك

والرياح تهبُّ من أقصى قميصك

يا صبيّةُ

لم أقل يوما لغيرك: إن هذا الشعرَ من عسل وإنك نحلةٌ

يا حلوةَ الحلوات

هاهم عاشقوك الآن في كل الحدائق يهطلون

ليقطفوا ورد الشآم بكل ما في شوكه من قسوة

وبكل ما نزفَتْ أصابعُهم من الأقمار في الطرقات

هاهم يشعلون الآن ساحات المدينة بالهديل

ويُرجعون الماءَ مبتسما إلى برَدى الحزين

عيونهم شهبٌ من الأحلام تحرق ليل قاتلهم

وأيديهم تَلوح كأنّها راياتُ نور خافقاتٌ في الظلام.

أريد منك الآن –والشهداء ينهمرون من غيم القصيدة-

أن تمرّي كالسنونو في مخيّلتي

وأن تتأملي أجسادَهم نبتَتْ شقائقَ حيثما سقطوا

أريدك أن تجيبي الأمهات الحائراتْ:

من يستطيع الآن أن يرفو لهم قمصانَهم مثقوبةً برصاص إخوتهم؟!

وأيّةُ إبرة تلك التي ستخيط جرح الروح

في الوطن الذي يمتدّ ما بين الزناد وبين رأس الطفل؟!

أيّةُ دمعة تلك التي تكفي لتَروي زهرة النسيان؟!

أية قُبلة تكفي لتُحيي مرةً أخرى الأميرةَ في حكايات الصغار؟!

ومَنْ سيحشو بالبنفسج بعدَهم سبَطانةَ الرشّاش؟!..

كنتُ رأيتُهم يتآمرون معاً على الطغيان والقهر الطويل

ويخرجون إلى الهواء مدجّجينَ بصوتهم

لا يطلبون من الحياة سوى الأغاني

بعدما صدئتْ حناجرُهم من الصمت المريض

وقُطّعتْ أوتارُ قيثاراتهم بمناجل الحرمان.

وجهي الآن مبتلٌّ وصدرُك شاسعٌ

في أول الأرض التقينا

قلتُ: ما اسمك؟

قلت: «سوريّا».. بمدّ الياء..

«سوريّا» بلا تاء مقيّدة

-وعمرك؟

***

 قلت: «سوريّا».. بلا روح مكبلة, ولا أيْد مصفّدة

-وبيتُك أين؟

قلت: أنا بلا بيت.. أنا ابنةُ ساحل الإغريق وابني طائرُ الفينيق

أعمامي ملوكُ السرو.. خالاتي أميراتُ الصنوبر.. والأكاسيا جدتي..

..يا بنتُ هذا الوقت منتصف الغواية

ليس لي بيتٌ سواك

لأن هولاكو الجديد سطا على بيتي

فشابَ الحبر في المنفى, وأغنيتي تهدّج صوتها.

سأقول «سوريّا» لأني لا أرى اسما لائقا بالياسمين سوى مرورك في أزقتها

ولا وصفا جديرا بالنساء سوى حرائرها

ولا شعبا يليق بها سوى شعب طليق كالنسور وشامخ مثل الكواكب

لا أرى سفنا تليق ببحرها إلا احتفال الموج بالأنثى التي شقتْ عبابَ القلب

يا بنتُ اسمعيني قبل أن تتكبّدي حريّتي

أنا لا أموتُ إذا الرصاصةُ فجّرتْ رأسي

ولكني أموت إذا رأيتُ أخي يصوّب باتجاهي حقدَهُ

وأموت حين أراك جائعةً, وترتجفين خوفا في الظلامْ.

مطر شديدٌ, والرياح تهبّ

***

 والعشاق ينهمرون من أقصى الغمامْ.

عيناك تلتمعان.. وجهي الآن مبتلٌّ

ووجهك ساطعٌ

وهديلُك العالي يُزمجرُ في الزحامْ:

شعبُ القرنفل لا يُضامْ

شعبُ القرنفلِ لا يُضامْ..