السردية السورية الراهنة
منذ بدايتها فرضت الوقائع الدموية على السوريين اجتراح إعلامهم الخاص، أمام اهتزاز الثقة بالإعلام الرسمي السوري، أو نقيضه العربي أو الناطق بالعربية. هذا الاهتزاز المتناقض ولّد ردات فعل متناقضة سنراها في الصفحات الالكترونية التي انتشرت، مع الوقت، انتشار النار في الهشيم، آخذةً على عاتقها المهمة الإعلامية لتغطية النقص الفادح في المشهد.
أطلق كل حيّ صفحة باسمه، ثم صارت، خلال مدة وجيزة، صفحات حسب الهوى السياسي للمشرفين عليها. وخلال سنتين من العمر الدامي لسورية استطاعت هذه الصفحات أن تتحول إلى منابر محلية تنقل مجريات الأحداث، وتوثّق يوميات سكانه، وتقدم الإرشادات والنصائح والتوجيهات الأمنية.
ولعل الاختلاف كان في انقسام هذه الصفحات بين عنوانين عريضين: «تنسيقية» أو «شبكة». بحيث لا يخفى التضارب والتناقض في رؤية الخبر، كما لا تخفى النبرة العدائية بينهما، وهو انقسام ينتمي إلى الانقسام الأساسي الحاصل على الأرض وفي الواقع. فكما ساهمت هذه الصفحات في توضيح الوقائع واستجلائها ساهمت بالقدر ذاته في التشويش والإربكاك. لكنها، وخلال هذا كله، كانت تقول لنا، هكذا كان المشهد.
التاريخ السوري موجود في كل هذه الفوضى، في كل هذا الضباب، في صدقه أو كذبه، في جودته أو ركاكته. فهذه الصفحات، أياً كان الرأي الراهن بها، هي سردية محلية واكبت الألم والنزيف ولن يكون بمقدار مؤرخ المستقبل أن يتجاهلها.