دراما القاع الاجتماعي
على رغم أن أعمالاً درامية كثيرة تناولت مأزق العيش في الأحياء الشعبية المصرية وفي العشوائيات، فإن الدراما لم تتوغل عميقاً في تلك الأحياء ولم تتمكن من القبض على روح الحياة فيها على نحو ينجح في إضاءة جوانب من رؤى وأحلام بل ويوميات ناسها وطرائق تفكيرهم.
الدراما المصرية الجديدة وقد قطعت خطوات كبرى على طريق التغيير واستلهام قضايا الفئات الشعبية لم تقم حتى اليوم بانعطافة نحو المهمشين من أبناء المجتمع المصري الذين يعيشون بالتأكيد ظروفاً بالغة الخصوصية لا تشبه تلك التي تمكن رؤيتها في أحياء أخرى: المسألة تتعلق هنا بمناخات اجتماعية مختلفة تؤسس بدورها "ثقافة" مختلفة ولها أيضاً قضاياها التي تحمل عادة ملامح قسوة استثنائية يعيشها الناس لا نبالغ في القول أنها تقارب تلك التي نراها في الأحياء المعزولة والمغلقة بكل ما لها وما عليها.
تلك ثقافة العدم وما ترسخه من يأس يدفع الى خلق هوة بين هذه "المجتمعات" وبين الفئات الاجتماعية الأخرى فتلك الحياة التي تتأسس على الحرمان وما ينتج منه من انحراف وجريمة تصبح سمة من سلوك البيئة المغلقة على يأسها والمسيجة شوارعها وحاراتها بالريبة من الآخر الذي يبدو لها في هذه الحالة قصياً. هي دراما أخرى: لا يقف التغيير هنا عند حدود الوقائع والحوادث ولا حتى أماكن التصوير بل أيضاً ملامح الممثلين وإمكاناتهم الفنية وقدراتهم على تمثل شخصيات رجال ونساء تلك العوالم الاجتماعية القريبة – البعيدة ويمتلكون الرغبة أولاً وبعد ذلك القدرة على تمثل انفعالاتهم وأحلامهم البعيدة من الواقع والمسيجة بالفقر وإحباطه وما يعنيه ذلك كله من تجدد عاصف يأخذ الدراما نحو فضاءات نعتقد أنها ستكون أسطع في تعبيريتها.
هي ملاحظات تنبع من الفن الدرامي ولكن قبل ذلك من الحياة الاجتماعية التي تشهد احتداماً وعصفاً غير مسبوقين في المستويات كلها، وهو عصف يحتاج بالبديهة أن يجد صورته في مرايا الفن الدرامي من خلال أعمال تغوص في ذلك القاع الاجتماعي وأن تحدق جيداً في تفاصيله وفي خطوطه لتعود لنا من هناك بما يثري الفن ويجدد الدراما.