كمال عرفات كمال عرفات

الفيسبوك السوري.. صراع الصفحات يعكس صراع المصالح والمواقع والطبقات

 

حضر اسم «الفيسبوك» بقوة شعبياً وإعلامياً منذ أن هبت رياح الانتفاضات في العالم العربي بدءاً من تونس، وصولاً إلى مصر وليبيا والبحرين واليمن وغيرها... وراح يلعب دوراً مؤثراً على الصعيد الإعلامي اللحظي رغم كل المنع والحجب.. وقد نحت توجهات مشتركي الفيسبوك في العالم العربي منذ البداية، باتجاه الدعم المطلق للاحتجاجات المشتعلة، بغض النظر عن أي اختلاف فيما بينها شكلاً أو مضموناً.

أما على النطاق السوري، فقد اختلفت الآراء والتوجهات «الفيسبوكية» فيما يخص الحركة الاحتجاجية السورية التي بدأت في 15 آذار وراحت تتصاعد أحداثها يوماً بعد آخر، وجرى ما يشبه الصراع حول تفسيرها ومآلها.. وهذا الصراع الفيسبوكي تجلى بتوزع المتصارعين إلى ثلاث جبهات..

الجبهة الأولى مثلت عموماً ما يعرف بـ«المعارضة السورية»، وتجلت بمجموعة صفحات تدار جميعها من خارج سورية مثل: (الثورة السورية، يوم الغضب السوري، شبكة شام)، وقد نصب القائمون على هذه الصفحات أنفسهم ناطقين رسميين باسم الشعب السوري، وحاولوا باستمرار دفع الحركات الاحتجاجية التي حددت مطالبها بسقوف إصلاحية إلى ثورة، بغض النظر عن مدى موضوعية ذلك وواقعيته في الظروف السورية، متذرعين بالثمن الباهظ الذي يتكبده الشعب السوري يومياً، وغير مبالين بما قد يسفر عن خطاب بعضهم الفئوي عن فوضى وصراعات ثانوية نحن بغنى عنها. ومن الواضح أن هذه الصفحات راحت تفقد مصداقيتها يوماً بعد آخر نظراً لاختلاف توجهات أصحابها المقيمين خارجاً مع توجهات و..«إمكانات» الشعب السوري المتشبث بتراب الوطن.

أما الجبهة الفيسبوكية الثانية، فتمثلت بمجموعة كبيرة من المدافعين عن النظام بشراسة واندفاع غير عفويين أو مبررين، وبأشكال مقيتة ومتغطرسة إلى حد غير محتمل، سواء عبر اليروفايلات الشخصية أو على مجموعة هائلة من الصفحات مثل (لا للخونة لا للعملاء، ضد يوم الغضب)، والتي بدت مهمتها وكأنها تسعى إلى بث الرعب في النفوس، وتخوين كل مواطن سوري يطالب بحقه الشرعي، أو حتى بالحد الأدنى من حقه وهو (الحرية)، بالإضافة إلى التهديد والتوعد وشتم كل من يقف إلى جانب المحتجين على الفيسبوك ومحاسبته (على طريقتهم!!)، غير مدركين أنهم  بذلك يدفعون بحالة الاحتقان الكبيرة لدى الشعب السوري إلى مزيد من التراكم، خصوصاً أن سلوكهم الفيسبوكي العنيف تزامن مع الممارسات القمعية للتظاهرات السلمية في بعض المحافظات السورية.

وبعيداً عن الصراعات والتهديدات والتخوين والفوضى وتوجهات الجبهتين السابقتين، فقد أظهرت مجموعات كبيرة من الشباب السوري على الفيسبوك وعيها تجاه ما يحصل في الساحة السورية، والتي تجلت بمجموعة هائلة من الصفحات التي تدعو للوحدة الوطنية مع التأكيد على مطالب الحركة الاحتجاجية السلمية في سورية (الديمقراطية – ضرب الفساد- إلغاء قانون الطوارئ – العدالة الاجتماعية) واستنكارها للسياسات القمعية المرتكبة بحق الشعب السوري في درعا واللاذقية وبعض المدن الأخرى مع عودة التأكيد على الوحدة الوطنية والتحذير ممن يحاولون توجيه الشارع السوري إلى مكان فئوي تصعب العودة منه بعشرات السنوات، ولعل من أهم الصفحات الفيسبوكية السورية (ميثاق شرف ضد الطائفية، مبادرة: سوريون لرص الصف الوطني، لا للطائفية «سورية لنا جميعا»).. فتحية كبيرة لهؤلاء الشبان الذين سيكون لهم الدور الأكبر في العبور بسورية إلى مستوى أفضل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، عنوانه الدائم الوحدة الوطنية، وشعاره الأسمى كرامة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.