جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

يوم لكل سورية..

سمح الكثير من الناس لأنفسهم بالتفاؤل حين هبّت رياح الانتفاضات الشعبية، وبدأت رؤوس بعض رموز الدكتاتورية والعمالة بالتهاوي تحت ضربات الجماهير العربية الثائرة في تونس ومصر، وزاد حماسهم كثيراً حين اندلعت الانتفاضة في ليبيا لتمتد بسرعة إلى عُمان فالبحرين ومناطق أخرى، ورأوا في ذلك بداية رائعة لعصر جديد يتجاوز فيه العرب ما فعلته بهم الهزائم المتتالية على يد الكيان الصهيوني وداعميه، ورداً حاسماً على مشاريع الفوضى الخلاقة واصطناع الفوالق التناحرية حديثاً، وما أنتجته سايكس – بيكو من تبعية قديماً، وأفرطوا في استبشارهم وغبطتهم للحدود القصوى حين خرجت بعض الجماهير في لبنان مطالبة بإسقاط النظام الطائفي المقيم، وعدّوا ذلك مؤشراً أولياً على نهضة تحررية جديدة عنوانها بداية تجاوز أصول المشاريع الاستعمارية منذ التفاتتها المبكرة للشرق قبل أكثر من قرن ونصف مع تحول السلطنة العثمانية إلى «رجل مريض» يجب تقاسم تركته، وما رافق ذلك من اتباع المستعمرين سياسة «فرق تسد»..

لكن التفاؤل على اختلاف سعته واندفاعه، سرعان ما انقلب إلى نقيضه أو كاد، حين تحول الحراك الشعبي في ليبيا إلى اقتتال دموي واستعصاء طويل وتدخل خارجي، وحين فتك «درع الخليج» الرجعي بغطاء أمريكي وعربي وأوروبي بالمنتفضين المعتصمين في ساحة «اللؤلؤة» التي تحولت ركاماً بين يوم وليلة، وحين وُئِد الحراك العماني والجزائري والمغربي... ولو مؤقتاً، تحت رماد القهر والقمع ودعم «الأسرة الدولية» للدكتاتوريات.. وأخيراً، حين تم جر الحراك الشعبي الناشئ في سورية بسرعة مريبة إلى مواقع خطيرة..

وإذا كان امتطاء أي حراك شعبي وتلويثه طائفياً أو عرقياً أو عشائرياً هو ديدن كل القوى التي يستهدفها انتفاض الجماهير لحرفه عن مساره وإغراقه في الهامشي أو الثانوي، فإن حدوث ذلك مع حراك شعبي في بلد مثل سورية، في ظروف سورية، ومحورية دور سورية التاريخي، والنسيج الشعبي المدهش لسورية، وممانعة سورية للمشاريع الصهيو-أمريكية وتحدياتها الكبرى، يعني ما هو أعظم من الكارثة وأسوأ من المأساة!.

فسورية ذات التنوع الذي يختصر ويكثّف الشرق بأسره في بلد واحد، والتاريخ العريق في مواجهة المشاريع الاستعمارية والتفتيتية، والشعب الخلاّق المنفتح المتحضّر الذي سمي أبناؤه يوماً: «السادة أبناء الآلهة»، والأرض المعطاء الجامعة لكل التضاريس والثروات والبيئات، سيشكّل وقوعها في فخ «الفوضى الرايسية» أعظم نكسة في تاريخ الإنسانية جمعاء، وسيكون نذير شؤم حقيقياً على قرب انهيار الحضارة البشرية!

قد يرى البعض في هذا الكلام تطرّفاً أو تعصباً أو هذراً، وهذا جائز، ولكن ما يدعم وجهة نظر كهذه هو أمر بسيط للغاية.. إذا كان هذا الشعب بتاريخه العريق وحضارته التي لم تنقطع أبداً وتنوعه المنسجم وأحلامه المشتركة الكبرى سينزلق إلى هذا الدرك، أو سيسمح لأحد بدفعه إليه، عندها مَن، وما الذي سيعيق الإمبريالية المأزومة حدّ الاختناق ودكتاتورياتها التابعة وأدواتها وألاعيبها ومخططاتها عن دفع العالم كله إلى الهاوية؟!

سيحل عيد الجلاء قريباً.. سيحل بكل ما يحمل من رمزية وطنية خالصة، بكل ما يمثّله من وحدة وطنية هزمت واحدة من أعتى إمبراطوريات العصر الرأسمالي في ربع قرن فقط، بكل ما يعنيه من وحدة أرض وشعب وثقافة وتطلعات، بكل شهدائه وأبطاله ومآثره ودروسه، بكل تطلعات أحفاد من صنعوه للحرية والعدالة الاجتماعية والعزة الوطنية، بكل إمكانات الأحياء للإخلاص لتضحيات الخالدين.. بكل قوة كادحيه وشرفائه لهزيمة ناهبيهم والمستبدين بهم.. سيمر ليذكّر من خانته الذاكرة أن الأوطان يمكن أن تضيع وتتمزّق وتتبدد إذا لم يحافظ عليها أبناؤها..

ليكن الجلاء فسحة حقيقية للانتماء لسورية الواحدة الموحدة علَماً وأرضاً وشعباً..

mjihad@kassioun.org

آخر تعديل على الجمعة, 13 أيار 2016 14:32