هل كان أبو تمّام مُخبراً؟
كتاب «صاحب الخبر في الدولة الإسلامية» لمؤلفيه الدكتور محمد حسن النابودة (الإمارات) والدكتور محمد عبد القادر خريسات (الأردن).. من أكثر الكتب غرابة وإثارة للإدهاش، فهو لا يتناول المنجز الشعري لأبي تمام، الذي عاش في عهد المعتصم وكتب عن انتصاراته على الروم قصيدته الشهيرة «السيف أصدق إنباءً من الكتب/ في حدّه الحدُّ بين الجدّواللعب».
يرد في الكتاب ما يلي: «لقد كان من الطبيعي وفي ظل التنافس الشديد بين الخلفاء والعناصر التي سيطرت على الدولة العباسية أن يبقى للأجهزة الاستخبارية مكانتها لتزويد الفئات المتصارعة بالأحداث والمستجدات على الساحتين الداخلية والخارجية، ومن هنا نجد أن هذه العناصر أخذت تتفنن أكثر وأكثر في اختيار المخبرين وتدريبهم، فكان منهم النساء والخدم والتجار والزّراع والرعاة والنّساك والشحاذون والصبيان والمعلمون. ويلحظ أيضاً أن هذه الفترة تميزت بإسناد وظيفة صاحب الخبر إلى رجال لهم بالعلم والمعرفة، لا سيما العاملين في حقل الجغرافيا والتاريخ وكبار الشعراء أمثال أبي تمام».
قبلا وباختصار فصاحب الخبر هو تحديدا ما يطلق عليه، عربيا وفي أيامنا هذه بالمخبر الذي يأتي بالخبر، وفي عهد العباسيين أصبح صاحب الخبر مهنة تحتاج إلى تدريب وممارسة كي تصل إلى الاحتراف في الوصول إلى مصادر الخبر والنقل عنها، بالتالي كان لزاما أن يكون صاحب الخبر على معرفة واطلاع ومقدرة على تذويب شخصيته الحقيقية في المجتمع وارتداء شخصية أخرى تعينه على عمله في نقل أسرار العامة إلى الدولة.
يرد في الكتاب أن مهمة صاحب البريد كانت وطيدة الصلة بصاحب الخبر، على نحو يمكن تشبيهه بمدير مخابرات، في عصرنا الراهن، أو المسؤول الاستخباراتي الذي يقوم بتصفية هذه التقارير وتصنيفها وتبويبها ثم استخلاص نتائجها كلها للخليفة. فإذا كان هذا الأمر صحيحا أو معمولا به في عصر المعتصم، وهذا هو الأرجح، فإن أبا تمام قد عمل بمرتبة مدير مخابرات منطقة الموصل في عهد ذلك الرجل الذي استقدمه، هو تحديدا من مصر ثم أوكل إليه هذه المهمة.
غير أن المثير للغرابة والفضول هو اختيار المعتصم له ليشغل هذا الموقع الذي كانت مهماته الأخرى خفيّة تماما على سائر الآخرين من مثقفي ذلك العصر ممَنْ كانوا يلتئمون في مجلس الخليفة العباسي من شعراء ونقّاد. تُرى هل كان أبو تمام على علم مسبق قبل عودته إلى بغداد بأنه سيشغل هذا الموقع؟ هل كان يعلم بما ينبغي عليه القيام به من مهام؟ وما هي طبيعة هذه العلاقة السرية بين الرجلين؟ ثم هل يكون هو مَنْ أوصل إليه صرخة تلك المرأة العربية: «وامعتصماه » التي ما زال دوّي صداها يتردد في أرجاء التاريخ العربي والاسلامي إلى الآن؟ فيكتب أبو تمام قصيدته الشهيرة في مديح المعتصم، وهل كان على ثقة بأنها ستجعل من الخليفة رجلا خالدا في التاريخ بوصفه حاكما شجاعا وشهما ونبيلا، هزم الروم في معركة فتح عمورية حتى غدا في نظرنا، نحن أهل هذا الزمان أكثر الخلفاء العباسيين هيبة، كما وصفته كتب التاريخ الرسمي القديم أيضا؟.
الكتاب لا يجيب عن أي من هذه الأسئلة، لكن الأكيد أن أبا تمام قد شغل ذلك الموقع وربما يكون هو الذي قام بنقل الصرخة إلى المعتصم، لكن هل وقعت تلك الصرخة بالفعل؟ أم أنها كانت «فبركة» استخبارية لتبرير فتح عمورية؟ خاصة وأن نوايا المعتصم حيال ذلك كانت واضحة.