«مدافع اليأس» ترمي ذخائرها الأخيرة!
على أبواب جنيف3، يشتد القصف الإعلامي المضاد من كل حدب وصوب. يختلف «التوصيف»، ولكن يتماثل «التحليل»، بين «الضّدين» المتشددين.
تتكرر على وسائل الإعلام الرسمي السوري، وفروعه غير الرسمية، فضائيات وصحفٍ ومواقع الكترونية وصفحات تواصل اجتماعي، سواء في سياق «التحليل الإخباري»، أو على ألسنة «المحللين السياسيين» المعتمدين، مجموعة محدودة من الطروحات المتعلقة بجنيف3، تنتهي جميعها تقريباً إلى النتائج ذاتها: «جنيف3 سيفشل»، «سبب الفشل سيكون المعارضة وتشرذمها وتبعيتها»، «بفشل جنيف فإنّ الحكومة السورية تكون قد أثبتت وجهة نظرها وانتصرت»، «لأن جنيف نفسه هو معركة بين الحكومة والمعارضة»، و«مسألة الحل السياسي كلّها، رغم موافقتنا عليها، لكنها ليست الأساسية، فالانتصار هو ما سيحل الأزمة»، و«الأولى، إن كان من داعٍ له، أن يكون الحوار السوري، سورياً وفي دمشق، ودون تدخلات دولية»
مؤامرة كونية، ولكن!
إنّ ما يلفت الانتباه في هذه النتائج جميعها، هو القفز الحر فوق جملة من الوقائع الكبرى التي تشكل بمجموعها الخطوط الأساسية الناظمة للأزمة السورية، وفوق ذلك فإنّ هذا «القفز الحر» يتخطى، لا الوقائع وحدها، بل و«مانشيتات» النظام العريضة التي قالها مراراً وتكراراً طوال عمر الأزمة، وأهمها «المؤامرة الكونية»..
رغم أنّ المؤامرة كونية، فإنّ هذه الحقيقة لا يجري تذكرها إلا وقت الهزائم والتراجعات، أما وقت «الانتصارات»، فإن الحكومة هي من تنتصر، وليس «الحلف الكوني» الذي تصطف ضمنه، فيما يقال ويعلن على الأقل.
رغم أنّ «الحلف الكوني» إياه هو «حلف متقدم على المستوى الدولي»، وهو حلف يؤازر سورية ويفتح إمكانيات إنهاء الإرهاب، ويفتح إمكانيات «الانتصار»، انتصار الحكومة حسب الرأي الحكومي، ولكنّه فيما يتعلق بالحل السياسي «عاجز» عن كسر ممانعة قطر والسعودية وتركيا، هذه الدول التي «إن أرادت إفشال جنيف فهي قادرة على ذلك»!
«وفد الدولة السورية»
من الملفت أيضاً، «التنويعات» على اسم الوفد الحكومي، فهو تارة وفد حكومي، وتارة الوفد الرسمي السوري، وتارة وفد الدولة السورية، وهذه الأخيرة تدفع إلى التساؤل، إن كان الوفد الحكومي هو وفد الدولة السورية، فهل الوفد المقابل هو وفد الشعب السوري، لا سمح الله؟! بالطبع لا، المقصود أن الوفد الحكومي هو وفد الدولة السورية حكومة وشعباً وفعاليات اجتماعية وثقافية وأهلية ومنظمات جماهيرية وشعبية وعمالية وفلاحية وإلخ.. والوفود الأخرى هي وفود دول أخرى وهو ما يصح على جماعة الرياض.. لكنّ وجود وفد «الديمقراطيين العلمانيين»، وفد «المعارضة الوطنية» يجعل المعادلة أكثر صعوبة.. «عليكم بهم»!
«الانتصار»
لما كانت الحكومة السورية هي الدولة السورية أرضاً وشعباً، فإنّ من المنطقي أن تسعى نحو الانتصار على الطرف الآخر على طاولة الحل السياسي، حتى لو تطلب ذلك كسر تلك الطاولة، وهو ما جرى بطريقة أو بأخرى في جنيف2. ولكن هل الحكومة هي الشعب؟ ربما تجيب الأزمة نفسها عن ذلك، وما قبلها أيضاً يجيب: أرقام الفساد الكبير، والخصخصة المتزايدة في القطاع العام والتعليم والصحة، ونسب الفقر والبطالة، ومستوى الحريات المرتفع جداً بحيث لا يطاله السوريون العاديون، وإلخ.. بل وتجيب عن السؤال أيضاً وخلال الأزمة كل من: المعتقلات، المعارضون الذين تدرجوا في «منظمات الدولة» عبر عشرات السنين، وملؤوا جيوبهم في رابعة النهار، وانتقلوا إلى «الطرف الآخر» ليملؤوها أكثر من أمثال رياض حجاب وعبد الحليم خدام والقائمة تطول.. والحق أنّ هؤلاء لم يغيروا كثيراً بانتقالهم، فلا فرق بين الرايتين، الفاسدون الكبار المتآمرون على البلد وأهلها ابتداء من السياسات الليبرالية وصولاً إلى العمالة المعلنة أو المخفية، لا يزالون موزعين، هنا وهناك. وهؤلاء لا مصلحة لهم بحل سياسي يرفع الحظر المطبق دون إعلان للتعبير عن الرأي. الحظر المطبّق تحت ثقل «منطق المعركة» و«منطق السلاح»..
«زراعة اليأس»
إنّ أهم ما سيفتح الحل السياسي الباب للإجابة عنه هو: من يمثل الشعب السوري حقاً؟ ماذا يريد السوريون؟ وهذا ما يعرفه بعمق متشددو الطرفين، ويرعبهم مجرد التفكير فيه.. ولذلك فإنهم يملؤون المنابر كلّها صراخاً، بأنّ جنيف3 سيفشل، ويلعب «الدور الطليعي» في ذلك إعلام قطر والسعودية والإعلام الغربي عموماً، الذي يعمل على تركيب «رجلين من قصب» لجماعة الرياض الذين يعيشون هذه الأيام واحدة من أفدح الخسائر وأكثرها فضائحية..
إنّ المتشددين من الطرفين، يجتهدون ويعملون دون كلل، ليلقوا كل ما في نفوسهم من يأس ليتجرعه السوريون، علّ الأمل الذي بات واضحاً وكبيراً يخبو.. ولكن تهتك سياساتهم وانفضاحها أمام السوريين جعل منها غربالاً لا يحجب ضوءاً ولا يقطع أملاً..