بدر شاكر السياب.. قيثارة الريح
مع صدور هذا العدد من قاسيون، تمر ذكرى وفاة الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، وهومن أغزر الشعراء وأغناهم إنتاجاً، اختار مفرداته بأسلوب إبداعي، وانتقل في الشعر من حالة التقليد إلى التجديد، وأخرج الأوزان القديمة من قواعدها المألوفة واستخدمها للتعبير عن تفاصيل الحياة اليومية، لبلاد تطفو على بحيرة من النفط، ويروي أرضها « أرض السواد» نهران سماويان، ويعاني شعراؤها ألم الغربة والمنفى.
استطاع السياب تصوير الوقائع الحياتية للمجتمع وتحليله بعمق، معتمداً على بساطة في التعبير وغزارة في المعنى، يتغلغل من خلالها في ثنايا النفس، وعاطفة متأججة تختزل ذلك العصف الفكري والعاطفي لروحه، وخيال خصب اعتمد الرمزية التصويرية واستعان بالميثولوجيا والإشارات التاريخيّة ليمنح اللفظ بُعداً أعمق يوضح كل تقلبات حياته المعاشية والاجتماعية والفكرية..
يقول في «أنشودة المطر»:
«أكاد أسمع النخيل يشرب المطر
وأسمع القرى تئن، و المهاجرين
يصارعون بالمجاذيف وبالقلوع
عواصف الخليج و الرعود، منشدين
مطر.. مطر.. مطر
وفي العراق جوع
وينثر الغلال فيه موسم الحصاد
لتشبع الغربان و الجراد
و تطحن الشوان و الحجر
رحى تدور في الحقول... حولها بشر
مطر.. مطر»
آه جيكور..
«جيكور.. ما لأكواخك المقفرات الكئيبة/ يحبس الظل فيها نحيبه؟»..
وُلد بدر شاكر السيّاب في قرية جيكور، وتعني (الجدول الأعلى)، القرية البصرية ببيوتها البسيطة المبنية من طابوق اللبن، والتي أبدع السياب في تناول الواقع المعاش فيها وجعل منها رمزاً لشعره. وكان جوّها الشاعري الخلاب أحد ممهدات طاقة السياب الشعرية وذكرياته المبكرة فيه التي مدت شعره بالحياة والحيوية والتفجر.
فَقَد السياب والدته صغيراً وتأثر بذلك بشدة. أتمّ دراسته الثانوية في البصرة، ثم انتقل إلى بغداد والتحق بدار المعلمين العالية، واختار لنفسه تخصص اللغة العربيّة وقضى سنتين في تعلم الأدب العربي، ثم غيّر في سنة 1945 من الأدب إلى متخصص في اللغة الإنكليزية. وتخرّج السيّاب من الجامعة عام 1948، وفي تلك الأثناء تعرف على الأفكار السياسية اليسارية والشيوعية ، وعُرف بنضاله الوطني لتحرير العراق من الاحتلال الإنكليزي، وفي سبيل القضية الفلسطينية. وأُسندت إليه وظيفة التعليم للغة الإنكليزية في الرمادي، حيث مارسها عدة أشهر، ولكنه فُصل منها بسبب نشاطه السياسي وأودع السجن. وبعد خروجه عمل في بعض الوظائف الثانوية، وفي سنة 1952 اضطُر إلى مغادرة بلاده والتوّجه إلى إيران فإلى الكويت، وذلك عقب مظاهرات اشترك فيها. وعاد إلى بغداد في سنة 1954.
في سنة 1962 أُدخل المشفى للمعالجة من ألم في ظهره، وتنقل بين بغداد وبيروت وباريس ولندن للعلاج دون فائدة، توفي في 24 كانون الأول عام 1964 عن 38 عاماً ونُقل جثمانه إلى البصرة وعاد إلى جيكور في يوم من أيام الشتاء الباردة الممطرة.
«غلام نحيل كأنه قصبة»!
كان بدر شاكر السياب ضئيلاً، ناحل الجسم، قصير القامة. وصفه إحسان عباس بقوله: «غلام ضاوٍ نحيل كأنه قصبة..»، وكان مفرط الحساسية، يحمل بداخله نقمة اجتماعية على الواقع. كان شبح المنفى القاتل يراوده أينما حل:
«ما زلت أضرب، مترب القدمين أشعث، في الدروب
تحت الشموس الأجنبية
متخافت الأطمار، أبسط بالسؤال يداً ندية
صفراء من ذل وحمى، ذل شحاذ غريب
بين العيون الأجنبية».
كما عُرف عنه حبه الشديد للمطالعة والبحث، وقراءة كل ما يقع بيده من كتب وأبحاث على اختلاف مواضيعها، وقد أشار إلى ذلك صديقه الأستاذ فيصل الياسري حيث يقول: «وكان السياب قارئاً مثابراً فقد قرأ الكثير في الأدب العالمي والثقافة العالميّة، كما أنه قرأ لكبار الشعراء المعاصرين قراءة أصيلة عن طريق اللغة الإنكليزية التي كان يجيدها وكان يقرأ الكتب الدينية كما يقرأ الكتب اليسارية». وكان يفتخر أنه من البصرة، المدينة التي أنجبت الأخفش وبشار بن برد والجاحظ وسيبويه والفرزدق وابن المقفع والفراهيدي.
تأثر بشعراء عرب وأجانب في مراحل تطور تجربته الشعرية فكان يقول: «وأكاد أعتبر نفسي متأثراً بعض التأثر بكيتس من ناحية الاهتمام بالصور بحيث يعطيك كل بيت صورة، وبشكسبير من ناحية الاهتمام بالصور التراجيدية العنيفة، أما دانتي فأنا أكاد أفضّله على كل شاعر».
أعماله:
له في الشعر الكثير:
أزهار ذابلة، أساطـير، حفار القبور، المومس العمياء، الأسلحة والأطفال، أنشودة المطر، المعبد الغريق، منزل الأقنان، أزهار وأساطير، شناشيل ابنة الجلبي، إقبال، قيثارة الريح، أعاصير، الهدايا، البواكير، فجر السلام..الخ.
الترجمات الشعرية:
ساهم السياب مساهمة فعّالة في ترجمة الكثير من الأعمال العالمية لأدباء العالم لأنه يجيد الانكليزية، وممن ترجم لهم السيّاب الإسباني فدريكو جارسيا لوركا والأمريكي إزرا باوند والهندي طاغور والتركي ناظم حكمت والإيطالي أرتورو جيوفاني والبريطانيان تي إس إليوت وإديث سيتويل ومن تشيلي بابلو نيرودا. من ترجماته: «عيون إلزا أو الحب والحرب، قصائد عن العصر الذري، قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث، قصائد من ناظم حكمت».
الأعمال النثرية:
الالتزام واللاالتزام في الأدب العربي الحديث: محاضرة ألقيت في روما ونشرت في كتاب الأدب العربي المعاصر.
الترجمات النثرية:
ثلاثة قرون من الأدب، الشاعر والمخترع والكولونيل: مسرحية من فصل واحد لبيتر أوستينوف.