صور..من تاريخ السريان!

صور..من تاريخ السريان!

ما يزال التراث السرياني ينبض بالحياة في عدد من بلدان الشرق ومنها سورية، وهو تراث متنوع وقديم قدم سورية نفسها. أما اللغة السريانية فهي إحدى اللغات القديمة لشعوب الشرق، انتشرت منذ آلاف السنين ما بين مصر وحتى الهند والصين، وكانت لغة العلوم الرئيسية في هذه البلدان لمئات السنين.

يتفق المؤرخون على أن أقدم الكتابات السريانية تعود إلى القرنين الأول والثاني بعد الميلاد ويعتبر القرن السادس الميلادي القلب النابض للعصر الذهبي للأدب السرياني لوفرة الإنتاج الأدبي آنذاك وانتشار المدارس والمكتبات السريانية.
اشتهر السريان بمدارسهم التي أسسوها في الأديرة والكنائس وفي القرى والمدن التي عاشوا فيها، قال في ذلك البحاثة أحمد أمين ما يلي: «كان للسريان في ما بين النهرين نحو خمسين مدرسة تدرّس فيها العلوم السريانية واليونانية... وتتبع هذه المدارس مكتبات... وكان في الديار السريانية شيء كثير لا من الكتب المترجمة في الآداب المسيحية وحدها بل من الكتب المترجمة من مؤلفات أرسطو وجالينوس وأبقراط، لأن هؤلاء كانوا محور الدائرة العلمية في ذلك العصر، وكان السريان نقلة الثقافة اليونانية إلى الإمبراطورية الفارسية». كما نقلوها في العصر العباسي إلى العرب.
وكانت اللغة السريانية هي اللغة الرسمية في البلاد في ذلك العصر، كانت لغة الكنيسة والمدارس، إضافة لكونها لغة الأدب والتجارة، إلى جانب اليونانية التي استخدمها اليونانيون في المدن الكبيرة. وقد أجاد الكثير من السريان عدة لغات، فمن اهتم منهم بالمحاماة درس اللغة اللاتينية، ومن انكب على دراسة الفلسفة أجاد اليونانية، أما الأغلبية  فقد تمسّكوا بلغتهم الأصلية «السريانية»، يؤكد البطريرك يوحنا فم الذهب المتوفى سنة 407 م في إحدى عظاته في أنطاكية: أن أغلب الذين أنصتوا إليه، سواء من غالبية الناس أو الكهنة، لم يتمكنوا من فهم عظاته المنطوقة باليونانية لأن لغتهم هي السريانية.


«اللحن الفخاري»

اشتهر السريان بالفلسفة، ومن أشهر فلاسفتهم في القرن السادس، «اصطيفان بن صوديلي» من حران، الذي اضطهده الأكليروس بسبب آرائه، إذ كان من أبرز أتباع الفلسفة الأفلاطونية الجديدة، وقد قدم شروحاً أدبية للمزامير، وشروحاً صوفية للكتاب المقدس. ويأتي في المرتبة الثانية الشاعر سرجيس الرأسعيني من مدينة رأس العين في أعالي الخابور، ترك مؤلفات في المنطق والطب والفلسفة والعلوم الطبيعية. ثم يأتي الشاعر «مار أحودامه» الذي عاش متنقلاً في الجزيرة بين باعربايا وسنجار ونصيبين، وترك مؤلفات فلسفية تسببت بصدور أمر من السلطات الإقطاعية حينها بقطع رأسه.
ومن أشهر الشعراء السريان  مار يعقوب السروجي من قرية كورتم على ضفاف الفرات، إذ ترك 43 رسالة في البلاغة، و760 قصيدة ضاع أغلبها ولم يبق منها سوى 300 قصيدة، بالإضافة إلى شروحات «مئات أوغريس الستمائة». أما الشاعر شمعون الفخاري، من أنطاكيا فقد كان يصنع الفخار، واشتهر بتأليفه القصائد وغنائها أثناء العمل وعرفت تلك الأغاني باسم «القوقويو» أي اللحن الفخاري.
كما اشتهر من المؤرخين السريان يوحنا الأفسسي من ديار بكر «آمد» في القرن السادس الميلادي، فقد دوّن الحوادث التاريخية في القرنين الخامس والسادس، وكذلك فعل «زكريا الفصيح» من غزة في فلسطين في القرن السادس أيضاً، تاركاً وراءه مؤلفات هامة في التاريخ الكنسي والتاريخ الشعبي.


«سير الشهداء..»

ظهرت أعمال أدبية باللغة السريانية في القرن الرابع الميلادي عرفت باسم «سير الشهداء» حين اعتنق فقراء عدد من شعوب الشرق الديانة المسيحية مما سبب غضب السلطات الإقطاعية. تتحدث هذه النصوص عن الحملات العسكرية التي قام بها الفرسان الإقطاعيون ضد الفلاحين في مدينة بيت سلوك «كركوك الحالية» ومنطقة جيلان وبيت جرمىن، وقد دونت سير الضحايا الذين دفعوا حياتهم ثمن أفكارهم في نصوص، منها قصة الشهيد ميرشابور والشهيد فيروز والكاتب يعقوب. ومن كتّاب هذه السير أشعيا بر حدبو.
كما عاش الشاعر قوريللونا أو كيريلينوس في القرن الرابع الميلادي وضاعت معظم أشعاره وصلنا من أعماله بعض القصائد مثل قصيدة تصف غزو التتار في العام 396 م يقول في مطلعها: «إن الشمال يائس ينوء تحت أثقال الحرب، لم ينقض عام منذ أن وقعوا علينا وأهلكونا وأخذوا أطفالي أسرى».
أما الشاعر يوحنا العبري، مطران مدينة حلب في القرن الثالث عشر، فقد ترك مجلدات شعرية وتاريخية تتحدث عن العواقب الوخيمة للحروب الصليبية في منطقة الشرق والغزو المغولي حيث شهد أمام عينيه سقوط مدينته حلب في يد هولاكو ومقتل 50 ألفاً من سكانها بحد السيف.


«نصيبينيات» أفريم

بدأ الشاعر أفريم يقرض الشعر في مدينة نصيبين في سن مبكرة في القرن الرابع الميلادي بعد تأثره بمن سبقه من الشعراء السريان في المدينة مثل ابن أديصان وهرمونيوس، فقام بتدوين المصائب والآلام التي حلت بسكان المدينة بسبب الحروب في قصائده، إضافة إلى قصائد أخرى عن تاريخ مدينته والصراع الفكري الدائر فيها بين المسيحية والوثنية في ذلك الحين.
كتب أفريم 21 قصيدة في نصيبين زادها في الرها إلى 56 قصيدة وبلغ مجموع ما كتبه فيما بعد 77 قصيدة أطلق عليها اسم «النصيبينيات».