أدب الخيال العلمي
الخيال هو قدرة العقل على الخلق الذهني، أما الخيال العلمي فهو تلك المقدرة من الخلق الذهني المركب، المبني على ذاك التصالح بين الغيبي، ذي الجذور الدينية الموروثة تاريخياً، والمادي، ذي البعد العلمي والتقني، المبني على التجريب.
وعلى ذلك فإن أدب الخيال العلمي هو ذاك النوع من العمل الأدبي، الذي تنصهر به مكنونات الأديب المتصالحة معرفياً، مع آخر ما توصل إليه العلم والمعرفة والتقانات التجريبية، مضافاً إليها تلك الرؤية المستشفة للمستقبل، عبر تركيبات الخيال المبنية على تصورات تطور وتقدم العلوم التجريبية.
لذلك نجد ذاك النوع من الأدب منتشراً ومتداولاً ومقروءاً ومتابعاً، لدى تلك الأوساط (مجتمعات ودول)، التي أجرت عملية التصالح المعرفي بين الغيبي والعلمي، رغم اسثماره سلباً فيما بعد على مستوى السينما ومراكز الأبحاث، أما في الأوساط التي لم تتصالح معرفياً بعد، كبعض البنى الاجتماعية في عالمنا العربي والاسلامي، لا زال يطغى عليهما ذاك النوع من الخيال المبني على أساطير الجن والشعوذة، والذي يظهر أحياناً ببعض الأعمال الأدبية هنا وهناك، مع بعض الاستثناءات التي تثبت القاعدة، بكاتب أو كاتبين فقط على مستوى عالمنا العربي، الذين خاضوا تجربة أدب الخيال العلمي وكانوا رواداً بهذا المجال، دون ذاك الانتشار على المستوى الشعبي، ودون ذاك الاهتمام على المستوى المؤسساتي والعام.
ولعل سبب ذلك هو أن عوالمنا لا زالت مستهلكة للتقانات العلمية، ونقف على هوامشها سلبيين، حيث يبدأ ذلك اعتباراً من مناهج التعليم المعتمدة، التي لم تلحظ بمتنها دعم التفكير العلمي والبحثي لدى الطلبة، مروراً بعدم توفر داعمين حقيقيين لنشر الثقافة العلمية بالمجتمع، بما في ذلك تلك المتعلقة بالمفردات والمفاهيم العلمية الحديثة، التي لم تجد لها مدلولاتها ومرادفاتها اللغوية البسيطة، التي تمكن المجتمع من هضمها وتداولها، وبحيث تستخدم في الأعمال الأدبية بيسر، مع عدم وجود رعاة لهكذا نوع من العمل الثقافي والمعرفي الأدبي، سواءً على مستوى النشر، أو مستوى التسويق والتوزيع، ناهيك عن الاستثمار الاعلامي، تلفزيونياً أو سينمائياً، وأخيراً عدم اهتمام المراكز العلمية والبحثية (على ندرتها وضعف إمكاناتها)، بهذا النوع من الأدب، علماً أن غيرها من مراكز الأبحاث في بلدان أكثر تصالحاً، تعتمد على ما يقدمه هؤلاء، من أعمال أدبية، من أجل فتح آفاق ورؤى قد تكون غائبة عنهم، في معرض اهتماماتهم التجريبية.