إنسان كاريفيشكاي ...
ينحدر هذا الإنسان من قرية «كاريفيشكاي»، والتي تعني بالليتوانية «قرية الجنود»، لأن معظم رجال القرية قضوا في جبهات الحرب العالمية الأولى، وعرف منذ أيام طفولته الحزن الإنساني، والجوع والعمل الشاق، ولكن قلبه حمل مع ذلك البهجة، والحب للطبيعة في وطنه ذي الغابات الخضراء والبحيرات الزرقاء الشاعرية، فبدأ ينظم الشعر منذ أن كان عمره عشر سنوات، إنه الشاعر إدواردوس ميغيلايتيس «1919-1997»، أحد كبار ممثلي الأدب الليتواني في القرن العشرين.
الجندي البسيط يكتب لأخوّة الشعوب
فيما بعد وأثناء دراسته الجامعية في كاوناس وفيلينوس، تعرف ميغيلايتيس بصورة حقيقية إلى الإنسانية الواسعة، واشترك في النضال الثوري للشعب الليتواني منذ منتصف الثلاثينيات، وانضم إلى المجموعات الشيوعية الليتوانية وأصبح محرراً في جريدة البرافدا الليتوانية.
بعد انضمام ليتوانيا إلى الاتحاد السوفييتي واندلاع نار الحرب الوطنية العظمى ضد الفاشية، انضم ميغيلايتيس كباقي شباب وطنه إلى الجيش الأحمر، وقد عبرت أشعاره في هذه المرحلة عن إيقاع قلب الجندي العادي، والأشعار المفعمة بالبطولة والألم نشرت في مجموعة «نسيم الوطن» عام 1946.
وأصدر مجموعته الشعرية «لوريكا» عن سنوات الحرب الأربعة، المليئة بأسلوب الرومانسية الجديدة، وتوظيف الأساطير والحكايات الشعبية الليتوانية والواقعية الاشتراكية والحب.
لقد ألهمته بطولة المقاتلين السوفييت من القوميات المتعددة، وطبع بذلك قصائده ومجموعاته الشعرية اللاحقة، فقد ألهمه العمل اليومي لكتابة قصيدته المشهورة «الأخوة»، التي تعكس العمل المشترك لثلاثة شعوب، وهم الشعب «اللاتفي والليتواني والبيلاروسي» في إنشاء المحطة الكهربائية الكبيرة على بحيرة دريسفاتا، تلك المحطة التي استفادت منها الجمهوريات الثلاث.
أنا جبلت من الأرض
تعتبر مجموعته الشعرية «الانسان» من أروع ما كتبه ميغيلايتيس، لقد صور الشاعر في مجموعته ذلك الانسان البسيط المبدع، بقلب يحس بآلام الحياة وعذابات الإنسان في الواقع، وبعينين تشبهان نجمتين متحديتين.
يقول في مجموعته:
أنا جبلت من الأرض.
من طينة الأسى.
وفي لحظات الحزن ، أهدتني أمي الأرض.
هذه الكرة.
هذا الرأس الذي يشبه الأرض والشمس.
خضعت لي الارض.
فأهديتها الجمال.
أبدعتني.
وأنا الآن أعيد صياغتها من جديد.
لقد حصلت مجموعته الشعرية «الإنسان» على شهرة عالمية، وترجمت إلى عدة لغات، وحصلت على عشرات الجوائز الادبية في الاتحاد السوفييتي والعالم.
تراث ميغيلايتيس
كان إدواردوس ميغيلايتيس ذا إنتاج غزير، وترك تراثاً واسعاً في الأدب الليتواني الذي ازدهر في القرن العشرين، وترجمت أعماله إلى اكثر من 20 لغة.
تمتاز كتابات ميغيلايتيس بنمط الكلمات والصور والاستعارات الشعرية الملونة، والمحتوى الفكري والفلسفي للواقعية الاشتراكية، التي تصور التناقضات الاجتماعية وحيوية الإنسان البسيط وإبداعه والتفاؤل بالمستقبل.
ترك أكثر من 50 مجموعة شعرية وقصصية، ومن مجموعاته الشعرية: «الأرض المرتفعة – الحجارة الغريبة – برج الأوهام – أغنية ليلة الفراشات – عنبر الشمس – خبز وورد – هنا ليتوانيا – هيلين – القيثارة الصغيرة – أساطير – السلمون المرقط – بلاد العندليب – الخبز كلمة».
كما ترك ميغيلايتيس مئات المقالات الأدبية والقصص القصيرة والرسائل ودفاتر اليوميات والسيرة الذاتية، وكتب عشرات الأغاني التي لحنها وغناها الفنانون في بلاده، وألف عدداً من الكتب في أدب الأطفال.
تأثر ميغيلايتيس بكبار ممثلي الأدب الروسي، ونستطيع مشاهدة ميخائيل ليرمنتوف وماياكوفسكي وآدم ميكيفيتش وألكسندر بوشكين وغيرهم، في النصوص التي كتبها ميغيلايتيس، هو لم ينف هذا التأثير قائلاً: إن الحياة تربي قلب الفنان وتهذبه.