الإعلام العربي.. خطاب متهالك
كتبت الإعلامية اللبنانية (غادة عويس)، إحدى أشهر وجوه قناة الجزيرة، على صفحتها عبر الفيسبوك تسخر من الذين يجلسون في أحضان أوروبا وفي الوقت ذاته يشتمونها على موقفها العنصري من اللاجئين السوريين(7-9). وكانت العبارات القليلة التي نشرتها قد تمر مرور الكرام لو لم ير فيها الكثيرون هجوماً مبطناً، بل أقرب إلى العلنية على الإعلامية الجزائرية (خديجة بن كنة) والإعلامي المصري (أحمد منصور)، زملائها في قناة الجزيرة.
تكتب (عويس) ساخرة: «يحمل جواز سفر بريطاني ويقضي كل عطلاته في أرحاب أوروبا ويشتري كل ملابسه وحاجاته من هناك، وهي محجبة تملك بيتاً في فرنسا وتحمل جواز سفر منها وتقضي عطلاتها على شواطىء «نيس وكان» وحقيبة الشانيل صديقتها المفضلة. رغم ذلك وفي خضم أزمة لاجئي سورية تقرأ على صفحتيهما أن أوروبا بلا إنسانية، وعنصرية وصليبية، وتكره المسلمين وتحتقر المحجبات، ومسؤولة عن كل مشاكل العرب والدول الإسلامية»، وتستطرد بالقول بعد أن تحمد الله على امتلاكها جواز سفرٍ لبناني لا تنوي حمل غيره: «أنا أحترم موقف اوروبا من أزمة اللاجئين، وأحتقر من يستعيد عبارات كـ «صليبية» لأنك عندما تستعيد كلمة من التاريخ لتعمّمها على دين وقارة بأكملها فكأنك تقول أن كل المسلمين دواعش الآن، وهذا مرفوض وغير صحيح».
تراشق الردود
يأتي كلام (عويس) هذا رداً على عددٍ من التعليقات الشخصية التي نشراها (قنة ومنصور) واستنكرا فيها سياسات الحكومات الأوروبية. إذ كتب منصور عبر الفيسبوك في وقت سابق يقول: «حقيقة كُبرى أكدتها أزمة اللاجئين المسلمين هي سقوط معظم دول أوروبا ووقوفها عارية أمام العالم متجردة من إنسانيتها متمسكة بحقيقتها العنصرية الصليبية» (6-9) بالرغم من أن منصور يكتب أيضاً في مرات أخرى تعليقاً على الموقف الأوروبي من قضية اللجوء: «رغم جريمة الغرب الكبرى فى دعم وتأسيس الأنظمة الديكتاتورية فى المنطقة العربية، ورغم مسؤليته الأساسية عن مأساة ملايين اللاجئين الذين لم يجدوا لهم مأوى سوى المخاطرة باللجوء الى أوروبا بحراً وبراً حيث غرق من غرق ونجا من نجا، إلا أن مسؤولية حكام المسلمين وحكوماتهم ربما تكون أعظم»، ويضيف بأن الحكومات الأوروبية تتداعى لحل أزمات اللاجئين بينما تكتفي الحكومات العربية بالمشاهدة.
«فشة خلق.. ليس إلا»
في الحقيقة يمكن قول الكثير عن المشاحنات الفيسبوكية التي يشعلها إعلاميو قناة الجزيرة، بدءاً من لغتهم العربية الركيكة التي لا تعطي بالاً لعلامات الترقيم والاختيار المناسب للعبارات، على اعتبار أن الفيسبوك مكان «لفش الخلق» يتحرر فيه الإعلامي من قيود المهنة. وفي الوقت ذاته يستخدمه كي يهاجم وينتقد زملاءه في مكان العمل، كما لو أنه يشكي لجمهور متابعيه على الفيسبوك ما يجري في كواليس مكاتب الجزيرة.
بالرغم من أن (عويس) قد تكون محقة في نقدها ازدواجية المعايير في العلاقة مع أوروبا عند زميليها في المهنة، لكن الأهم من ذلك ربما، هو الوقوف عند طبيعة المعركة أو الاصطفافات التي يكرسها الهجوم الضمني من (عويس) على (كنة ومنصور). إذ تنسى معارك مشابهة للجمهور أن هؤلاء الإعلاميين يصطفون في خندق واحد يتمثل في الخطاب الرسمي والمعلن لقناة الجزيرة. في المقابل يتم تفعيل خلافات واهية وسطحية ، بحيث يطلب من الجمهور أن يختار صفاً بين (عويس) التي تدافع عن الوجه الغربي لأوروبا وتحترم موقفها من قضية اللجوء. وبين (أحمد منصور) الذي يهاجم الحكومات الغربية «الصليبية» التي تحارب المسلمين لأنهم مسلمين. (منصور) يرى أن الوزر الوحيد الذي تحمله الحكومات الأوروبية هو دعمها للديكتاتوريات، وليس الحلول والذرائع التي استخدمتها فيما بعد للتصدي لتلك الأنظمة وما نتج عنه من حروبٍ وويلات مستمرة حتى الآن.
الخطاب الإعلامي!
في الوقت الذي يشغل فيه ملف اللجوء وظروف اللاجئين كبرى الصحف ووسائل الإعلام العالمية، ويتبارى فيه الجميع لمواكبة رحلة اللاجئين وتصوير معاناتهم أو تخليدها عبر الصور ورسوم الكريكاتير. يرسم المنظور الذي اختاره إعلاميو الجزيرة لمقاربة قضية اللجوء صورة مظلمة عن الدرك الذي وصل إليه الخطاب الإعلامي العربي من حيث سطحيته وطائفيته وعنصريته. فأنت عند إعلاميي الجزيرة مخير أمام التغني بأمجاد أوروبا أو شتمها لأنها «صليبية» تكره دولة المسلمين!