ثلاثة.. اثنين.. واحد..
أعلنت وزارة الدفاع الامريكية منذ أسابيع قليلة عن إطلاقها لمجموعة كبيرة من الوثائق السرية للعلن، استجابة للإصدار الجديد من قانون «الحرية الفكرية للمعلومات»، لتظهر على شبكة الإنترنت ملفات متعددة أصدرها الجيش والقوات الجوية الأمريكية وفق لوائح منظمة، يعود تاريخ بعضها إلى القرن الماضي، كان بعضها متوقعاً للغاية لكنه بقي مثيراً للاهتمام، خاصة بعد أن أظهرت بعض تلك الملفات قوائم بمعظم إنتاجات السينما الأمريكية المعاصرة، بعد أن حازت على «موافقة» أو «تقييم» وزارة الدفاع الأمريكية.
بدأت القائمة بالاتساع بعد أيام، واكتملت لتشمل طيفاً واسعاً من الإنتاجات الفنية السينمائية، والمسلسلات التلفزيونية، وبرامج تلفزيون الواقع، والعروض الترفيهية المسائية، والندوات الإخبارية، واللقاءات الصحفية، وحتى برامج الأطفال والرسوم المتحركة وغير ذلك من إنتاجات الشاشتين الفضية والذهبية، مع تقييم شامل لها، وعرض مفصل للخطوات التي قامت بها وزارة الدفاع الأمريكية لفرض تأثيرها على محتواها، بالإضافة إلى اختبارات علمية تظهر مدى مطابقتها لمجموعة من «الشروط» التي وضعتها لجان مختصة داخل الجيش الأمريكي، ترصد استجابة الجمهور المتابع داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها على اختلاف مستوياته الفكرية وشرائحه العمرية.
معايير دقيقة!
تخضع تلك الأعمال لمعايير دقيقة للغاية، يجري تصنيفها في أربع مجموعات رئيسية من الشروط، تم ترميزها بالطبع عن طريق تسميات «إيجابية» الإيحاء كما تجري العادة مع المؤسسة العسكرية الأمريكية، أولها تفحص العمل الفني من ناحية «دعمه لاستعادة التوازن»، أي احتواء العمل الفني على مجموعة النقاط التي تظهر التدخل الأمريكي الحربي الطابع أو الإنساني السلمي بمظهر العادل والضروري، كما يجب أن يحقق المنتج الفني شروط «الحفاظ على التفوق القتالي» والتي تضمن بقاء القوة العسكرية الأمريكية أكثر تطوراً وتفوقاً على مثيلاتها من الحلفاء والأعداء على حد سواء.
بالإضافة إلى شروط «تبني المؤسسات الأمريكية» الذي يشجع ذكر الأسماء والمنتجات الأمريكية في المحتوى المعروض، وصولاً لشروط «إظهار جهود تطوير القوات» والتي تتحدث عن نفسها بكل وضوح ليندرج تحت هذا البند بالذات معظم أفلام الخيال العلمي الناجحة والمشهورة التي شهدتها السينما الأمريكية خلال العقد الأخير من الزمن، كسلسة أفلام «الرجل الحديدي» و «المتحولون» وغيرها من أفلام «الرجال الخارقين» المتكررة حيث احتل الحديث عنها صفحات كثيرة من هذه التقارير.
مشاهد «حسب الطلب»!
تحدثت صحيفة «ميرور» البريطانية عن موضوع مشابه منذ بعض الوقت، ونشرت تقريراً مفصلاً استقت بياناته من مصدر موثوق داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية، صرحت فيه عن «قيام بعض المنتجين الهوليوديين بتحول الشخصيات الشريرة إلى أبطال وطنيين! أو أنها ألغت وجود العديد من الشخصيات من حبكة الأجزاء المقبلة من بعض الأفلام، أو أجرت ما يلزم من التغييرات على بعض الحقائق التاريخية أو السياسية الحساسة، وأضافت مشاهد عن مهمات إنقاذ إنسانية حسب الطلب، فقط لإرضاء المسؤولين في البنتاغون، وبمقابل الحصول على موافقات دخول للتصوير داخل المنشآت العسكرية الأمريكية الحساسة، أو الحصول على معلومات عسكرية، أو تقنية ثانوية قد تزيد من مصداقية العمل المنتج».
وتابعت الصحيفة حديثها عن سلسة أفلام «الرجل الحديدي»(Iron Man) بالذات، والتي تتحدث عن تطوير بدلة قتالة صلبة ترفع من يرتديها إلى مستوى «الجندي الخارق»، وأكدت أن أحد أجزاء الفيلم تعرض إلى نقد عنيف من قبل المؤسسة العسكرية الأمريكية، ليتم تعديل الكثير من تفاصيله في النهاية، لأن وزارة الدفاع الأمريكية كانت تعمل في الواقع وفي الوقت ذاته على تطوير بدلة حقيقة مشابهة للاستخدام القتالي المعاصر، وهذا ما تم الإعلان عنه بالفعل في حزيران الماضي حين تم الإعلان عما يسمى «البدلة الهيكلية الخارجية الفائقة القوة» أمام العدسات وللعالم أجمع!
بالأرقام.. «حقائق عميقة»
لا يخفى تأثير المؤسسة العسكرية الأمريكية عن المتابع الفطن حين مشاهدته للكثير من الإنتاجات الهوليودية المعاصرة، وربما لا يحتاج الأمر إلى تقرير مكتوب أو تسريب مضى عليه بعض الوقت، لكن حجم هذا التقرير الأخير قد وضح بالأرقام عمق هذا التأثير وسعة طيفه المهولة، ووضع المتابعين حول العالم أمام مسؤولية تقييم تلك الأعمال عن طريق تحقيقها لمعايير أخرى، ربما تبدو أكثر عمقاً وفائدة من التي تضعها المؤسسة العسكرية الأمريكية.