بعيداً عن منتديات «ساحرة الأجفان»!

كمن يبحث عن إبرةٍ في كومة قش، أقلب عبثاً جميع الصفحات التي تقترحها محركات البحث، لكن ما أصل له لا يتعدى كونه «قمامة الأبحاث العلمية». أحاول تغيير الكلمات المفتاحية، لكن لا جديد. النتائج تعيد نفسها وأجدني أصطدم بحيطانٍ صماء.

شكراً على وقتك!

بصورةٍ أو أخرى، اختصر منتدى ساحرة الأجفان بالنسبة لي، بعضاً من أجزاء المشهد الذي نعيشه هنا، في محاولاتنا النجاة، وإنجاز أي شيء يجعلنا نشعر ولو بقليلٍ من الرضى عن أنفسنا. المنتدى كالكثير من المنتديات المشابهة بشع التصميم، مع ألوان صارخة، وإعلانات تنبض في كل مكان. الصفحة مقطّعة إلى مستطيلات ضيّقة، وكل رابط يقدمه المنتدى يأخذك إلى آخر. كما لو أنك تفتح صندوقاً كبيراً لتجد فيه آخر صغيراً ثم أصغر ثم أصغر. وحينما تفتح الصندوق الأخير بعد أن يعيك التعب، تجد بطاقة كتب عليها، «شكراً لتضيعك الوقت عبثاً في منتدى ساحرة الأجفان».
قد لا يحتاج جمع المعلومات في بلدانٍ أخرى، أكثر من دخول مكتبة وسحب كتاب من على الرف، أو طلب الحصول عليه عبر الإنترنت.  الباحثون هناك غير منشغلين في البحث عن المعلومات وكيفية إيجادها، بقدر المُفاضلة بين جبال المعلومات التي يصطدمون بها، بحيث يحاولون اختيار الأحدث والأكثر أهمية أو قيمة علمية. الأبحاث والأفكار تتطور، لأن المرء يكمل من آخر نقطة وصلها آخرون قبله. أما نحن هنا، في هذه البقعة المنفية من العالم، نرجع كل يوم إلى نقطة الصفر لنعيد اكتشاف ما تم اكتشافه دون أن نشعر بالإنجاز. فالمشكلة أن الجهد الذي نبذله حقيقي، لكن النتائج التي نتوصل إليها لا يمكن أن تكون مرضية بأية حال من الأحوال.

في كومة قش..!

يشبه البحث الأكاديمي هنا، التنقيب في كومة من الثياب المستعملة، قد تظن بأنك أمسكت بطرف قطعة تحتاجها، تنتشلها من بين الأنقاض، لتكتشف بأنها ممزقة. تبحث عن موضوعات عامة لأن البحث المتخصص غالباً لن يوصلك إلى أي شيء. أو قد يوصلك إلى كتب لن تستطيع شرائها، ودراسات لن تستطيع قراءتها نظراً لقوانين حقوق الملكية التي تمنعها عنك إن كنت أفقر من أن تسطيع اقتناءها.
في مكتبات الجامعات السورية الورقية، ليس الحال بأفضل، وتحديداً في تلك المهتمة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية.  فبالرغم من وجود بعض الفروق في كم ونوع المراجع في بعض التخصصات مقارنة بأخرى، يبقى المشهد العام بائساً،  فعلى سبيل المثال، تضمنت مكتبة كلية الإعلام الوليدة التي تم تجميعها في أعوام 2010 و2011، بعض الدراسات والكتب المصورة ورسائل الماجستير، التي قدمها دكاترة الكلية في مبادرة لمشاركة بعض موجودات مكتباتهم الخاصة مع الطلبة. وبالرغم من أن ذلك الواقع لم يكن مُرضياً، ولا يقترب حتى من مقتنيات مكتبات كليات الإعلام في مصر أو الأردن مثلاً -إن لم نكن نريد أن نشطح بخيالنا لنقارنها بمثيلاتها في أمريكا أو بريطانيا-. لكنه كان حينذاك خطوة أولى باتجاه تأسيس المكتبة. أما اليوم يعاني طلبة الإعلام من أن الكثير من مؤلفات المكتبة ضاعت أو سرقت نتيجة الإهمال، فيما توقفت عمليات الإضافة أو حتى محاولات استقدام كتب وعناوين جديدة. على الرغم من أن الجميع يُجمع أن عصرنا هو عصر الإعلام بامتياز، مع ذلك قد يضطر الطلبة للاستعانة بكتاب عن التلفزيون يرجع إلى سبعينات القرن المنصرم.

 سلفي «خاص جداً»!

وفي كلية التربية، يبالغ  أمناء مكتبتها في الحرص على الكتب، لدرجة يمنع فيها الطلبة من إخراج رسائل الدكتوراه أو الماجستير وتصوير بعض فصولها. يكون البديل حشر الطلبة في مكتبة ضيّقة لا تتسع لأكثر من خمسة أو ستة أشخاص. وبدلاُ من النسخ المصورة، يسمح لهم بالتصوير عبر الهواتف النقالة، بحيث يرى من يدخل مكتبة كلية التربية، بين الساعة التاسعة والواحدة ظهراً أضواء الفلاش تلمع وتبرق في المكتبة المعتمة الإضاءة. تلك الأجواء البحثية، تغري المرء بالتقاط صورة «سلفي» مع رسالة دكتوراه حول اضطرابات الشخصية.

 مقاومة الإغراء!

بالرغم من الواقع العلمي البائس حتى الضحك، ما زلت وغيري من الطلبة، نقاوم إغراء التخلي عن إكمال دراساتنا التخصصية تحت ضغط الملل أو فقدان الأمل. نحاول ما استطعنا إكمال ما بدأناه وإن كان يعني ذلك الاستيقاظ كل يوم لاختراع العجلة والصفر والنار. ما زلنا رغم الاغراءات نقاوم  فكرة الاستسلام والخضوع للواقع بحيث نضطر لتسجيل اشتراك في منتدى «ساحرة الأجفان» كي ننعم بمزايا مملكة الخزعبلات وسحرة الأجفان، جنباً إلى جنب مع «ابن بطوطة» و«موج الأحلام» و«كرة الشطرنج» وغيرهم من روّاد المنتدى.