الموت في بقاع أخرى...

الموت في بقاع أخرى...

«كاتب في صحبته انهارت جدران السجن» هكذا وصف الزعيم الجنوب الإفريقي نيلسون مانديلا، الكاتب الإفريقي تشينوا أتشيبي، الذي قرأ مانديلا رواياته عندما كان في السجن.

 

يصف تشينوا أتشيبي «1930-2013»، الروائي النيجيري المنحدر من قومية الإغبو، في كتاباته المخلّفات المأساوية للإمبريالية البريطانية على المجتمعات الإفريقية، وهو من أوائل من تناولوا مواضيع المستعمرات البريطانية في القارة السوداء، وصاحب الكثير من الدراسات المقارنة بين الأدبين الأفريقي والإنجليزي.
صدرت روايته «أشياء تتداعى» عام 1958، وتتحدث عن انهيار القيم القبلية المحلية أمام «الحضارة» القادمة من الغرب، من خلال تصوير حياة «أوكونوكو»، زعيم وبطل المصارعة المحلي في يوموفيا، الرجل القوي البنية الذي بنى نفسه، فصار الأقوى في قريته. ويسلط الضوء على عالم القرية الإفريقية، في مرحلة قبل الاستعمار، دينها وعاداتها وخرافاتها.. الخ.
يعتمد تشينوا أتشيبي، الذي رفض كل الجوائز المقدمة له، أسلوباً ممتعاً وسلساً، في نسج نصوصه الأدبية، معبراً من خلالها عن مضامين عميقة المحتوى، تحكي أفكاره وتنبؤاته عن الحروب الأهلية، وهو ما حدث فعلاً في الستينيات، مستنداً في تحليله إلى موروث الاستعمار البريطاني لزرع الشقاق بين الصفوف، ومآسي الشعب النيجيري.
«دموع الشمس»
أنهى المخرج أنطوان فوكوا إنجاز عمل سينمائي ضخم بعنوان «دموع الشمس» عام 2003. تتكثف في هذا الفيلم الرؤية التي ينظر بها الغرب إلى أفريقيا عامة ونيجيريا خاصة.
يحكي الفيلم قصة «التدخل الإنساني» !!، الأجندة الأمريكية المعتادة، التي تعتمدها الولايات المتحدة عند شنها الحروب على الشعوب، حيث تدخل فرقة أمريكية خاصة إلى نيجيريا في «مهمة إنسانية» لإجلاء إحدى الإرساليات، وتخوض المعارك مع الجيش النيجري، فيتدخل الطيران الأمريكي..!. وكالعادة يجري يتم تقديم الصورة النمطية ذاتها، عن المواطن النيجيري، فتنسب إليه كل صفات الوحشية والتخلف والهمجية والتعطش للعنف والدماء.. الخ. تتطابق هذه الرؤية مع ما يجري تسويقه اليوم من الأوساط الفاشية الجديدة لـ«الإنسان النيجيري».
«الشهيد الأخضر»
قاد بعض أدباء نيجيريا حركات الاحتجاج الشعبية سواء على الغزو الاستعماري لبلدهم، أو على سلوك السلطات والسياسيين تجاه كثير من القضايا، ومن هؤلاء الشاعر كين سارو يوا «1941-1995».
بدأ سارو كمتحدثٍ رسمي لـ(MOSOP)، حركة «من أجل بقاء شعب الأوغوني»، ثم أصبح رئيساً لها، حيث قاد حملة سلمية ضد التدهور البيئي للأرض والمياه في «أوغوني لاند» نتيجة أعمال الشركات متعددة الجنسيات في صناعة النفط، خاصةً شركة رويال دتش شل. بالإضافة لكونه ناقداً لاذعاً للحكومة النيجيرية التي اعتبرها «متخاذلة عن فرض الضوابط البيئية على شركات النفط الأجنبية العاملة في المنطقة ومتواطئة معها».
كانت أعماله وحملته من أجل البيئة، سبباً في صدور قرار عن الـ«سي آي إي» للتخلص منه، فجرى اعتقاله، ومحاكمته على عجل في «محكمة عسكرية خاصة» وأعدم شنقاً عام 1995 ولقبه شعبه بالشهيد الأخضر.
يقول في إحدى قصائده:
«السجن الحقيقي... ليس رنين المفتاح
ولا السقف الذى ينضح
ولا طنين البعوض في الزنزانة الرطبة  البائسة
إنه الأكاذيب التي يرددونها دون انقطاع
على امتداد الأجيال...
كقرع الطبول
الجبن الذى يلبس قناع الخنوع
هذا هو يا أصدقائي الأعزاء
ما يحوّل عالمنا الحر
إلى سجن موحش»
«أديب المعارك السياسية»
ينحدر «وولي سوينكا»، الأديب والشاعر والروائي والمسرحي النيجيري، من شعب اليوربا. شارك بنشاط في معارك استقلال نيجيريا عن الاستعمار البريطاني، وسجن  عام 1968 بسبب قيادته مظاهرة ضد الحرب الأهلية وسوء الأوضاع المعيشية والفساد.
 شارك في محاولات لتطوير المسرح النيجيري أثناء دراسته، وقدم عدة أبحاث في جامعات بلاده، إلى أن أودع السجن بعد اندلاع الحرب الأهلية النيجيرية. ووصف تجاربه هذه في «مات الرجل». عرضت مسرحياته في إفريقيا، وأوروبا، وأميركا، ومنها «الطريق» و«الأسد والجوهرة». نشر أربع مجموعات شعرية، إلى جانب مسرحياته ورواياته العديدة.
فضح في أعماله لصوص الحرب الذين غزوا بلاده في السنوات الأخيرة من أجل النفط، وانتقد بشدة حكام نيجيريا الذين وقفوا ضد مصالح الناس، من أجل شركة «شيفرون» النفطية في التسعينات.
كرس سوينكا غالبية أعماله الإبداعية لكشف الممارسات السلبية وفضح السياسيين الفاسدين، فقد أعلن صراحة بعد غزو العراق، أن جورج بوش الإرهابي الأول، ووصفه بأنه: «أخطر أصولي متطرف يتولى إدارة البيت الأبيض»، وقد تسببت له مواقفه السياسية في دخول السجن أكثر من مرة، ووصفته مجلة «إفريقيا قارتنا» في آذار2014، «أديب المعارك السياسية»، ويذكر أنه أول أديب أفريقي يحصل على جائزة نوبل في الآداب.