ماركس.. ذلك الإنسان

ماركس.. ذلك الإنسان

في الخامس من أيار، تمر الذكرى 197 لولادة كارل ماركس، لم تكن أفكاره  أبداً أكثر راهنية مما هي عليه اليوم، ويتضح ذلك في التعطش الكبير للماركسية الذي نشهده حيث يجري الحديث عن أهمية ماركس، وأفكاره، الأفكار التي صمدت أمام اختبار التاريخ وخرجت منتصرة، وهو ما يجد حتى بعض أعداء الماركسية أنفسهم مجبرين على الاعتراف به على مضض.
«كلما بقيت في وول ستريت، ازدادت قناعتي بماركس»، أحد المستشارين في وول ستريت.

«كان إنساناً، إنساناً في كل شيء، ولن أصادف له مثيلاً أبداً»
• وليم شكسبير- هاملت


غالباً ما يقتصر الحديث عن ماركس على كونه ذلك الاقتصادي والفيلسوف والمفكر، ولا يجري تناول حياة ماركس الإنسان، التي تكتسب أهمية كبرى لفهم هذه الشخصية بأبعادها المختلفة..
يذكر كثيرون ممن عاشروا ماركس وعرفوه عن قرب في أحاديثهم ومذكراتهم، قدرته وموهبته الخاصة في معاملة الناس وفهمهم، وإدراك قضاياهم، وجعلهم يشعرون بأنه يهتم بكل ما يشغل بالهم، إذ كان يجيد الإنصات ويستمع إلى الناس من مختلف الأوضاع والمهن.
«المغربي..»!
كان ماركس أكثر سحراً وافتتاناً لدى مخالطته الأطفال، وعندما كان يلعب معهم لا يجد الأطفال أبداً رفيقاً في الألعاب أفضل منه، وكان المقربون منه يطلقون عليه اسم «المغربي»، وتذكر ابنته كيف كان «المغربي» يحملها على كتفيه عبر الحديقة الصغيرة في غرافتن غراس ويشبك في خصلات شعرها الكستنائي اللون لبلاباً مزهراً، عندما كان لها من العمر حوالي ثلاث سنوات.
وكان يلعب مع أطفاله، ممثلاً دور الجواد، وقد كتبت ابنته ايليونورا ماركس عن هذه الذكرى مع والدها:«لقد كان المغربي حسب الرأي السائد بيننا، جواداً رائعاً، كانت أخواتي وأخي الصغير يكدنون المغربي إلى الكراسي ويجلسون عليها راكبين ويجبرونه على التنقل بهم».
ويذكر ماركس نفسه، في بعض المصادر، أن بعض فصول كتاب «الثامن عشر من برومير» كتبها في الشقة الواقعة على دين ستريت، في سوهو، وهو مربوط إلى ثلاثة كراسي يركبها ثلاثة أطفال صغار كانوا «يقودونه» و»يستحثونه».
وبالإضافة إلى أن «المغربي» كان جواداً ممتازاً فقد امتلك أيضاً كفاءة أعلى ، إذ كان راوي حكايات لا يضاهى. فكان ماركس يقص الحكايات على أطفاله أثناء النزهات، وكانت حكاياته مقسمة إلى أميال لا إلى فصول، وكانت ابنتاه تطلبان منه قائلتين: «احك لنا ميلاً آخر أيضاً من القصة».
تذكر إحدى بناته كيف أوقف تلميذ صغير، في حوالي العاشرة من العمر، ذات مرة بدون كلفة  «زعيم الأممية» «الرهيب»  في ميتلاند بارك واقترح عليه «لنتبادل السكاكين»، إحدى ألعاب التلاميذ حينها. سحب كل منهما سكينه وقارناهما. كان سكين الولد بشفرة واحدة فقط أما سكين ماركس فبشفرتين، ولكنهما غير حادتين. وبعد نقاش طويل تم عقد الصفقة، وجرى تبادل السكينين، ودفع «زعيم الأممية المخيف» قطعة معدنية من فئة البيني زيادة على ذلك لأن سكينه كان كليلاً جداً!
كان ماركس يحب زوجته ويعشقها، ويتوهج بهوى متوقد، وكان يربط بينهما الحب والصداقة، ولم يعرفا التأرجح والشكوك، وبقيا وفيين لبعضهما البعض حتى الموت. 
«العمل لأجل الناس» 
ارتبط اسم ماركس باسم صديقه انجلس، فلا يمكن للمرء أن يفكر باسم ماركس من غير أن يتذكر في الوقت نفسه أنجلس، والعكس بالعكس، فقد ربطتهما صداقة متينة فاقت الوصف، وكانت مثالاً أسطورياً، حياً للإخلاص والحب والتفاني في خدمة القضية التي جمعت الاثنين،  كما أكد لينين:« إن علاقتهما الشخصية تفوق ما ترويه جميع أساطير الأقدمين البالغة الأثر عن الصداقة بين الناس».  ومع أن حياتهما كانت  متشابكة تشابكاً وثيقاً لدرجة كبيرة، فقد كان لكل واحد منهما شخصيته المتميزة. ولم يكونا ليتمايزان بمظهرهما الخارجي فحسب، وإنما كانا يتمايزان أيضاً  من حيث طابعهما ومزاجهما وطريقتهما في التفكير والشعور، كما يؤكد بول لافارغ.
كان ماركس يعتقد: «أنه لا ينبغي في أي بحث علمي كان، إبداء الخشية بصدد نتائجه المحتملة»، وأن العالِم إذا كان هو نفسه لا يريد تخفيض مستواه، لا ينبغي له أبداً أن يوقف اشتراكه النشيط في الحياة الاجتماعية، ولا ينبغي له أن يحصر نفسه إلى الأبد في مكتبه أو في مختبره، كفأرة اندست في قطعة جبن، فلا يتدخل في الحياة وفي النضال الاجتماعي والسياسي الذي يخوضه أبناء عصره.
يقول ماركس: «لا ينبغي على العلم أن يكون متعة أنانية: فالسعداء الحظ، الذين يستطيعون تكريس أنفسهم لأداء المهمات العلمية، يجب عليهم أن يكونوا في طليعة الذين يقدمون  معارفهم لخدمة البشرية»، وكانت إحدى عباراته المحببة، «العمل لأجل الناس». 

 

«على أنه ليس ثمة بالنسبة للذين عرفوا كارل ماركس أسطورة، أمتع من تلك التي تمثله عادة رجلاً جهماً عابساً جافياً لاسبيل إلى التقرب منه، أشبه ما يكون بجوبتير قاصف الرعود، الذي يقذف الصواعق على الدوام، فلا تفتر شفتاه عن ابتسامة واحدة وهو متنسم ذروة الأولمب منفرداً منيعاً. إن مثل هذا التصور عن أنشط وأمرح إنسان بين جميع الأشخاص الذين عاشوا في زمن من الأزمنة، تفيض روحه فكاهة وحيوية وتسري ضحكته الصافية إلى النفوس فتشيع فيها الارتياح ولا يملك المرء أن لا يتأثر بها، ناهيك عن أنه كان بين الرفاق، أكثرهم لطفاً ورقة وعطفاً، إن هذا التصور كان مصدراً دائماً للعجب والتسلية، بالنسبة لجميع الذين عرفوه، إن جوبتير الحاقد وقاذف الرعود لم يكن سوى نتاج تصور السادة البرجوازيين»
• إليانور ماركس