الفيتوري..شاعر القارة السمراء

الفيتوري..شاعر القارة السمراء

تتوالى خسارات الساحة الثقافية في العالم العربي، فقد توفي الشاعر السوداني محمد الفيتوري، المقيم في المغرب مساء الجمعة 24 نيسان2015، في أحد مستشفيات الرباط عن 79 عاماً بعد معاناة مع المرض.

إعداد قاسيون
ارتبط اسم الفيتوري بأفريقيا، فلُقب بشاعر إفريقيا، التي تعد مسرحاً أساسياً في نصوصه الشعرية، تناول فيها محنة الإنسان الأفريقي وصراعه ضد الرّق والاستعمار، ونضاله التحرري، وأنشد للقارة السمراء ونضالها ضد الاستعمار الكثير من القصائد، وألف لها عدة دواوين منها ديوان «أغاني أفريقيا» الصادر في عام 1955، و«عاشق من أفريقيا» عام 1964م، و«اذكريني يا أفريقيا» عام 1965، وديوان «أحزان أفريقيا» عام 1966، حتى أصبح الفيتوري صوتَ أفريقيا وشاعرها. يقول في إحدى قصائده:
جبهة العبد ونعل السـيد
وأنين الأسود المضطهد
تلك مأساة قرون غبرت
لم أعد أقبلها لم أعــد
كما حملت مواضيع أشعار الفيتوري الكثير من القضايا العربية، خاصة القضية الفلسطينية.  تنقل  بين عدة مدن وبلدان عربية منها، الإسكندرية وبيروت و دمشق بنغازي وطرابلس، مؤلفاً الكثير من القصائد المهمة، عن الحرية والانعتاق ومناهضة القيود والاستبداد والاعتزاز بالوطن.. الخ.
يقول في قصيدة «أصبح الصبح»، والتي تغنى بها المغني السوداني محمد وردي يقول:
«أصبح الصبح ولا السجن فلا السجن ولا السجان باق
وإذا الفجر جناحان يرفان عليك
وإذا الحسن الذي كحل هاتيك المآقي
التقى جيل البطولات بجيل التضحيات
التقى كل شهيد قهر الظلم ومات
بشهيد لم يزل يبذر في الأرض بذور الذكريات
أبداً ما هنت يا سوداننا يوماً علينا
بالذي أصبح شمساً في يدينا
وغناءً عاطراً تعدو به الريح، فتختال الهوينى»
صوت حي..
ولد الفيتوري في مدينة الجنينة غرب دارفور في السودان. ونشأ في مدينة الاسكندرية بمصر وحفظ القرآن وانتقل إلى القاهرة، حيث تخرج من كلية العلوم بالأزهر الشريف. وأسقطت عنه الحكومة السودانية الجنسية وسحبت منه جواز سفره عام 1974 بسبب معارضته لنظام جعفر النميري لكن الحكومة السودانية أعادت له جنسيته ومنحته جواز سفر دبلوماسياً عام 2014.وعمل محرراً بصحف مصرية وسودانية وشغل عدة مناصب إعلامية ودبلوماسية.
يعتبر الفيتوري جزءاً من الحركة الأدبية المعاصرة، ويعد من رواد من رواد شعر التفعيلة. ومن رواد التجديد في بنية الإيقاع الشعري، وأوائل الذين دشنوا قصيدة الشعر الحرّ، وأحدثوا زلزالاً في الذائقة الشعرية، تميل كتاباته إلى التصوف، وغالباً ما يركز شعره على التأمل معبراً عن وجدان حي، ويعكس من خلال تجربة ذاتية يشعر بها، رؤيته الخاصة المجردة تجاه الأشياء من حوله مستخدماً أدواته الخاصة في الإبداع، ويعتمد أحياناً على البلاغة والفصاحة التقليدية لإيصال الفكرة.
بالإضافة إلى الشعر، نشر الفيتوري العديد من الأعمال النثرية والنقدية وبعض الدراسات، وترجمت بعض أعماله إلى لغات أجنبية، من بينها: نحو فهم المستقبلية (دراسة)، والتعليم في بريطانيا، وتعليم الكبار في الدول النامية.
في رصيد الشاعر الراحل نحو 20 ديواناً، بدءاً من منتصف الخمسينيات، أهمها: (البطل والثورة والمشنقة، سقوط دبشليم، سولارا (مسرحية شعرية)، معزوقة درويش متجول، ثورة عمر المختار ، أقوال شاهد إثبات، ابتسمي حتى تمر الخيل، عصفورة الدم، شرق الشمس... غرب القمر، يأتي العاشقون إليك، قوس الليل... قوس النهار، أغصان الليل عليك، يوسف بن تاشفين (مسرحية)، الشاعر واللعبة (مسرحية)، نار في رماد الأشياء، عريانا يرقص في الشمس).
نال العديد من الأوسمة والجوائز في عدة دول عربية كالسودان والعراق ومصر وليبيا والمغرب. وضمت مناهج آداب اللغة العربية في مصر وسورية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، بعض أعماله، كما تغنى ببعض قصائده مغنّون كبار في السودان.

يقول في القصيدة التي رثى بها الشهيد عبد الخالق محجوب ..الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني:
« ماذا يظن الطغاة الصغار
إن موت المناضل موت القضية
أعلم سر احتكام الطغاة إلى البندقية
لا خائفاً..
إن صوتي مشنقة للطغاة جميعاً
ولا نادماً..
إن روحي مثقلة بالغضب
كل طاغية صنم.. دمية من خشب..
وتبسمت
كل الطغاة دُمىً
ربما حسب الصنم، الدمية المستبدة
وهو يعلق أوسمة الموت
فوق صدور الرجال
انه بطل ما يزال»