الفرد والبنية
دأبت وسائل الإعلام على تنسيب الأحداث، والوقائع، والسياسات، والظواهر، والمواقف الجارية إلى أفراد.
تسجل هذه الوسائل كل شيء باسم الأفراد فمن خلالهم تعرّف هذه القضية أو تلك، ليكون هذا الفرد او وذاك بمثابة المرآة العاكسة لكل ما يجري، ويصبح تالياً أداة لمنح الشرعية لأي موقف، أو اصطفاف، أو أية بنية، أو نزع الشرعية عنها، وذلك في إطار استخدام الرموز وتوظيفها في الصراع الدائر، لمصلحة موقف ما، أو باتجاه محدد، بمعنى آخر يتم توظيف الشخصنة هنا كأداة لتكوين رأي عام سلبي أو إيجابي تجاه جهة ما، إما باعتباره إبليساً يستوجب الرجم الدائم، أو مقدساً معصوماً عن الخطأ، وعلى ذلك يتحول ذلك الفرد إلى أحد ادوات التحكم بالوعي الجمعي..
لا شك أن للفرد دوراً في أية بنية سياسية أو مجتمعية أو ثقافية أو دينية أو مذهبية، وغيرها من البنى التي ظهرت في سياق التطور التاريخي، وتتفاوت درجة تأثيره حسب قدراته المعرفية والعملية، ولكن أي فرد كان، لا يستطيع أن يكون صانعاً للأحداث والظواهر سواء كان نموذجاً سلبياً أو ايجابياً، باعتبار أنه يعمل ضمن الحقل الاجتماعي الذي يخضع في تطوره لقوانين موضوعية.
قد يلعب الفرد دوراً إيجابياً فيكون تقدمياً منسجماً مع قضية تطور مجتمعه، أو أن يلعب دوراً سلبياً فيكون رجعياً وعائقاً مؤقتاً أمام التطور الموضوعي..
إن معيارالسلبي والإيجابي هنا هو مدى تناغم وظيفة هذا الشخص ودوره في خدمة التطور الموضوعي من عدمها، أي مع ما يجب أن يكون أو ما لا يكون، وبذلك يعبر ذلك الفرد عن مصالح أغلبية المجتمع أي مع مصلحة الجماهير فيكون أيقونة لها أو معيقاً لها.
لكن ما هي مشكلتنا مع الشخصنة؟! ونحن المتهمون بعبادة الفرد للمفارقة؟!!
يكمن الإشكال في أن ربط الظواهر الاجتماعية وتجلياتها السياسية والاقتصادية والثقافية بالأفراد، يسهم في تغييب وقمع العوامل الأساسية المحركة للتاريخ، وبالتحديد دور الشريحة الطبقية، أي دور الجماعة/المجتمع والتي لا يمكن لفرد إلا أن يعبر عن مصالحها بهذا الشكل أو ذاك في مواقفه وسلوكه، ولا معنى لأية ظاهرة فردية دون تجسيدها لتلك المصلحة. بتكثيف شديد يغدو تمظهر الصراعات باسم الأشخاص وسيلة من وسائل تشويه الوعي السياسي العام، والتلاعب به.
لا شك أن كل بنية تاريخية تنتج رموزاً وشخصيات خاصة بها، ولكن الفرد يبقى نتاج البنية وأحد إفرازاتها وليس العكس، وبالتالي فإنه لا يوجد معنى لأخذ موقف ما من فرد بحد ذاته ما لم يتم طرح البديل عن البنية كاملة من حيث هي منظومة متكاملة اقتصادية اجتماعية سياسية، و مدى جدية هذا البديل.