صقر عليشي يستنطق الغيم في «معنى على التل»...

صقر عليشي يؤكد في كل قصيدة من قصائد المجموعة، أنه يمتلك ما يكفي من الأدوات الشعرية، ليضع بين يدي المتلقي تلك القصيدة التي تشده من ألفها إلى يائها،  وتغني عالمه الروحي، وتأسره..  ليبرهن مرة أخرى كما عرفناه خلال تجربته الشعرية، على قدرته الاستثنائية في تطويع أية مفردة من مفردات القاموس، فلا توجد كلمة ناشزة في الاوركسترا اللغوية التي يوزع صقر عليشي عليها الأدوار، وهو قادر على استنطاق كل الموجودات المادية والحسية من حوله، وحولنا  شعراً، حيث لدى كل شيء من الأشياء ما يقوله، طالما أنها فوضت أمرها لشاعر محترف، وكأنه يذكّر بذلك على مفهوم التكامل والتناغم الموضوعي بين العناصر الكونية، كلٌّ في إطار ما أرادته له أمنا الطبيعة، وما استجد وما قد يستجد، في سياق النشاط الاجتماعي، ليقول لنا: إن الشعر ليس كائنا جامداً بل يستطيع أن يكون مواكباً لما هو جديد ولا ينزلق إلى درك التقليد، وأنه قادر على أن يستدرج إلى ملكوته كل ما يريد في المعجم.

 ليس لدى المرأة وحدها ما تقوله من موسيقى وجمال، وليس لدى النبيذ فقط ما يقوله من نشوة، والغيمة ليست الوحيدة التي قد تهطل قصائداً، بل حتى الدائرة ليست خرساء، وليست مجرد شكل هندسي، ويمكن أن تكون مادة في الخطاب الشعري  

 تقول الدائرة: «درت بالمعنى

 على أكمل وجه

دعك مما قاله بالسوء عني

مستطيل

مركزي نقطة ثابتة

ليس لو مالت به الريح

يميل

انا لا أول لي 

أنا لا آخر لي

أنا في ذاتي بذاتي مستمرة

حينما أحببت أن أظهر

بشكل جميل

صرت للمرأة سرة»

والإبرة، تقدم نفسها على أنها تجيد صناعة الجمال، فهي ليست مجرد أداة حياكة، بل يمكن أن تكون أداة وخز و تقول حكمة، وتحدد موقفأ من ظاهرة ما.. تقول الإبرة: 

«أنا لغز غامض

ليس له حلُّ

إذا في كومة قش دخلتُ

أنا الواضح لايخفي وضوحي

لو وخزتُ

ليس كل الوخز مني، فانتبه!

ربما ضميراً في سبات هبَّ من غفوته

شكّ في صاحبه إحدى صفاتي...

قلت ما يكفي، وحتى لا أطيل

ولمن يعرفوني، أنا من يتبعني الخيط الطويل»

وفي استنطاق الغيمة  يقول الشاعر: 

«قلت للريح : تعالي

فأتت، ثم نخّتْ، فاعتليتُ السنما 

قلت إمشي بي يا ريح

مشت، ورفعت البرق فوقي علما 

كان مشواري قصيراً

إنما لم أضيع منه لحظة على غير السما» 

صقر عليشي من خلال استنطاق ما حوله من أشياء بهذا الأسلوب، وخصوصاً الجمادات منها، يأخذنا إلى عوالم فلسفية، لتشكل أحد جوانب التفرد لدى صقر  عليشي، وعلامة فارقة في المشهد الشعري السوري المعاصر.

و لم ينس الشاعر أن يستنطق الذات الشعرية محاولاً مقاربة الشكل الامثل للقصيدة من حيث المبنى والمعنى، وكأنه يريد ان يقول لنا: إن الشعر حتى لايكون لقيطاً، يجب أن يستمد نسغه من مفارقات الواقع، ويصدر لنا كقصيدة بعد ان يمر بالمختبر الإبداعي للشاعر..

يقول الشاعر:

« شربت السر حتى شف طيني 

ولم اترك بقايا في وفاضه

 وهل رق الكلام ولم نقله

 وهل زعل الجمال ولم نراضه 

إذا امتعض الفضاء لوقع خطوي

مشيت وما التفت الى امتعاضه

حصلت على حياتي من وحول

كما حصل الأرز على بياضه»

نقرأ في صفحات المجموعة من القصائد التي هي عبارة عن إهداءات غير تقليدية، لتكشف لنا ليس فقط صقر الشاعر بل جوانب من حياة صقر الانسان، وتواصله الابداعي مع الآخر المبدع ورؤيته لذاك الآخر.. يقول في قصيدة « مشى على الغيم» إلى محمود درويش:  

مر الكلام به بلا لون فلوّنه

والريح مر بلا عطر فحمّله

ومر بالضوء لجلاجاً فأثبته

ومر بالغيّ بنياناً فزلزله

واحتاج حزنٌ لايقاع فنغّمه

واحتاج صمتٌ لتأويل فأوله....

لقد استطاع الشاعر صقر عليشي في مجموعته الشعرية الجديدة، أن يضيف إلى رصيده الشعري، والمكتبة الشعرية السورية المعاصرة علامة فارقة أخرى.

صقر عليشي

من مواليد 1957.

صدرت له الأعمال التالية:

مشرفة على السهل:طبعة أولى 1984- طبعة ثانية 1989- طبعة ثالثة 2001.

الأسرار: طبعة أولى 1989 - طبعة ثانية 2001- طبعة ثالثة 2006.

قليل من الوجد: طبعة أولى 2003 - طبعة ثانية 2006.

أعالي الحنين: طبعة أولى 2003 - طبعة ثانية 2006.

عناقيد الحكمة :طبعة أولى 2007.

الأعمال الشعرية: طبعة أولى 2008.

الغزال: طبعة أولى 2009: طبعة ثانية 2010. 

مختارات شعرية

«قصائد مشرقة على السهل» الهيئة العامة السورية للكتاب 2011.

معنىً على التل

الهيئة العامة السورية للكتاب 2014.