«زيارة ذاتية» في زمن الاغتراب

«زيارة ذاتية» في زمن الاغتراب

بعد انقطاعٍ طويل زرتها فجأة، ومن دون سابق إنذار، لم أستطع التعرف عليها، تغيرت كثيراً منذ آخر مرةٍ جلسنا سويةً، أصبحت أكثر غربةً عني... تمنيت لو تركتها حتى لا تمتلئ خجلاً مني، لأني كنت الوحيد الذي عرفتها، عندما كانت شابة تنبض بالحياة. بعد انقطاع طويل زرت ذاتي.. وكان ما كان. 

أجرت «جريدة قاسيون» لقاءً موسعاً مع الفنان ومخرج العمل«حسين خضور»، وتناول اللقاء تفاصيل صناعة عرض «زيارة ذاتية» في دار الأوبرا بدمشق ( 14- 16) نيسان الجاري. العرض الذي استند إلى رواية الحمامة للكاتب الألماني «باتريك زوسكيند»، التي تحكي قصة جوناثان نويل الخمسيني، حارس مصرف في أحد بنوك باريس لثلاثين عاماً. بعد أن تجاوز وقوفه أمام الباب خمساً وخمسين ألف ساعة، عاش بهدوء حياة روتينية ثابتة، لم يرد أن يتغير فيها شيء. لتظهر فجأة حمامة، أمام غرفته، في أحد الأيام، وتغير مسار حياته.

كيف بدأت قصة هذا العمل؟ وما السبب وراء اختيار رواية الحمامة بالتحديد؟

بدأت القصة في 2010 عندما كنت أعمل مع فرقة رقص، يغلب على عروضها الطابع الاحتفالي، وأثار هذا تساؤلات عديدة حول غياب المواضيع الأدبية عن فن الرقص، ولماذا لا تترجم، إن أمكن من خلاله، ولفت انتباهي إلى هذه الرواية من حيث الشكل، وصف الكاتب للجسد، فقد أوحت بإمكانية تقديمها عن طريق الحركة لا المسرح فقط.

وكانت المشكلة في معالجة المضمون، إذ كان واضحاً بالنسبة لفريق العمل، صعوبة عرض هموم شخصية مسحوقة كهذه بهذا الأسلوب، لذلك عدنا إلى آراء بعض النقاد الغربيين حول الرواية، ولكن لم نجد الجواب الشافي، خاصة أنهم اعتبروا أن الحمامة هي رمز للأنثى! ولكني أعتقد أن الموضوع أعقد من ذلك بكثير، فالرواية تحاول توصيف حالة الاغتراب السائدة في النظام الرأسمالي. 

كيف وصلت لاختيار هذا الشكل لتقديم هذا العرض؟ 

رغبتي في تعلم ومعرفة أنواع الرقص على المسرح، قادتني إلى المسرح الراقص. ومما يثير الانتباه كمية المواضيع المطروحة فيه، ولكن يغلب على العروض والمواضيع الطابع الغربي، فهي تخص المجتمعات التي ظهرت فيها، وهي أعمال مهمة في موطنها الأصلي، لكن لم يكن هناك ارتباط مع بيئتنا.

وقد توضحت المشكلة أكثر، عندما تابعت بعض عروض مهرجان الرقص المعاصر في سورية، وكان العديد منها لفنانين عالميين، وحينها لم نستطع الإجابة - كراقصين- على استفسارات أصدقائنا من الجمهور حول مضمونها. مما دفعني للبحث عن مواضيع أخرى غير مواضيع الطبيعة والجمال المطروحة بكثرة، مواضيع تخص الناس وتنقل ما يجري في المجتمع حول جوانب وقضايا اجتماعية تهم الناس، وقادني بحثي إلى «المسرح الجسدي» (physical theatre) وكانت بعض الفرق العالمية تطرح منذ الثمانينيات فكرة ابتعاد الرقص المعاصر عن القضايا الاجتماعية، والهموم التي تجري بالواقع وتغرق بقضايا ذاتية بحتة، وأخذوا يطرحون مواضيع تقترب من الواقع والمجتمع.

ما هي الصعوبات التي واجهتكم في تبيئة هذا العمل؟

هناك من يعتقد أن تبيئة الأعمال أياً كانت، تكون بترجمة أسماء الشوارع  والأشخاص، لكن الواقع يؤكد أن الأمور أعقد بكثير، إذ علينا أن (نفرط المسبحة ونعيد تشكيلها من جديد بما يناسب بيئتنا) وهذه مهمة صعبة، فقد ظن البعض من تفاصيل الشخصية أنها تدل على الجنون، بينما في الواقع هي تجسيد لظاهرة الاغتراب التي يعيشها «جوناثان» حارس البنك الفرنسي، وتفاصيل حياته، وكان لابد من توضيح ذلك، مما اضطر فريق العمل البحث كثيراً في تفاصيل هذه المهنة، لاحظنا بعض الأمور منها أن البنوك تحدد المربع المسموح للموظف بالتحرك ضمنه، وجهة الوقوف، والكثير من القواعد والتفاصيل القاسية والصارمة. ولكن الأهم، والقاسم المشترك بين أبطال «الحمامة» و «زيارة ذاتية» هو أن كلا الشخصين، رغم اختلافهما، يحرسان «البنك» الذي لا يعني لهما شيئاً سوى أنه يزيد ويوطد حالة الاغتراب التي يعيشانها. 

فجرت صياغة هدف العرض الأعلى، وهو «كيف شلت الظروف الاقتصادية والاجتماعية الإنسان، وجعلته مغترباً عن ذاته وقدراته».

اسم البنك الذي ظهر على المسرح، «بنك الانفتاح» كان ملفتاً،  لماذا اخترت هذا الاسم؟

بالوقت الذي كنا نبحث عن تاريخ مهنة «حارس البنك» عدنا إلى تاريخ ظهور البنوك والمصارف الخاصة، عدنا لتاريخ تلك القرارات التي تبين أنها بدأت من 2003 ، أثناء فترة الانفتاح فجرى اختيار الاسم للإشارة إلى تلك الفترة تحديداً، وانعكاساتها على المجتمع بالعموم، و«حارس البنك» هو أحد الأمثلة على التغيرات التي رافقت تلك الفترة .  

هل يمكن أن توضح لنا دور التمثال الثابت أمام البنك؟ وما هي الإشارة التي قصدتها من وجوده؟ 

الحارس في الرواية الأصلية، كان يحاول أن يجد ما يخفف عبء العمل الذي يقوم به، فكان يشبه نفسه بأبي الهول، أما في العرض، فقد كان لوجود التمثال دلالة على سوء وضعه، فقد أصبح أشبه بتمثال، من لون حجارة البناء. ورغم أنه مازال حيّاً، إلا أن عشرة سنين قد تكون كافيه لتحويله إلى تمثال!     

كيف كان تعاطي الجمهور مع العرض ومع الرسالة المطروحة؟

الهدف الأساسي بالنسبة لي، أن يخلق هذا العرض موضوعاً للنقاش والجدل، وهذا ما جرى، فالجمهور وبعض المختصين ناقشوا بعض التفاصيل حول العرض. وسألني بعض الناس حول اختيار عام 2010 لأحداث العرض، هل كان تجنباً لذكر الأزمة التي تمر بها البلاد، وقد أجبتهم  بما أعتقد به وهو أن الأزمة التي نعيشها اليوم، كان سببها الرئيسي – لا أريد أن أقول الوحيد – الذي أوصلنا إلى هنا هي فترة «الانفتاح» الذي عاشته البلاد منذ بداية القرن الجديد، كما أردت أن أوضح من خلال العرض أن الحلول المطروحة ليست في الانتحار، ولا في قبول الواقع كما هو، بل بالتعامل مع هذا الواقع ومحاولة تغييره.  

زيارة ذاتية:

إخراج / كربوغراف / وأداء: حسين خضور 

سينوغراف: ولاء طرقجي

دراماتورغ / مساعد مخرج: هبة محرز

التأليف الموسيقي: حسين عطفة 

معلومات إضافية

العدد رقم:
00
آخر تعديل على الجمعة, 16 نيسان/أبريل 2021 16:36