محمد شيخو.. الـمغني المسكون بالحزن والغياب
صلاح سيدا صلاح سيدا

محمد شيخو.. الـمغني المسكون بالحزن والغياب

بات من المعروف حالة التعدد الثقافي في سورية، التي تعكس التعدد الأثني في الجغرافيا السورية، والتي تشكل نسيجاً ثقافياً وطنياً واحداً طالما كانت بعض ألوانه عرضة للتهميش، الفنان السوري الكردي محمد شيخو الذي رحل في التاسع من شهر أذار، بعد أن قدم إنتاجاً فنياً متميزاً جعله يتمتع بشهرة واسعة يعتبر أحد أبرز الفنانين الكرد السوريين في العقود الأخيرة... 

ولد الفنان محمد شيخو في قرية كرباوي (أبو راسين) التابعة لمدينة القامشلي 1948عام. في عائلة كردية فلاحية فقيرة جداً. انتقل مع أسرته الى قرية خجوكة نتيجة ظروف العمل، فوالده كان يعمل في ري القطن والمزروعات وأعمال حرة أخرى.

ظهر ميله إلى الموسيقا منذ صغره، وبدأ العزف على آلة «الطنبورة» ثم طور هوايته الفنية أثناء دراسته في المرحلة الإعدادية في مدينة القامشلي، وكان يتردد على الحفلات التي كان يقيمها الفنان الكبير آرام ديكران آنذاك، وقد تعرض للمضايقات في المدرسة مما اضطره إلى ترك الدراسة، وأبدى اهتماماً بالسياسة نتيجة إحساسه بالاضطهاد والظلم، وجعله ذلك يناصر الشيوعيين في بعض المراحل ويناضل الى جانبهم. 

وفي عام 1969 سافر إلى لبنان، بحثاً عن العمل، وعمل في صناعة الحقائب الجلدية، ثم التحق بفرقة الموسيقيين الأكراد السوريين التي كانت تضم عدداً من الفنانين المعروفين (سعيد يوسف، محمود عزيز، رمضان أومري) وغيرهم . 

عزف محمد شيخو لأول مرة في حياته على البزق في بيروت، ودرس في معهد الموسيقى هناك، وشكل فرقة خاصة مع الفنان محمود عزيز شاكر ورمضان اومري باسم فرقة «سركوه تن- التقدم »، وسجل أول كاسيت مشترك مع الفنان محمود عزيز من أغانيه (أي كورى - ودباغاندى..) 

وبدأ محمد شيخو يتمتع بشهرة واسعة ويمتلك جمهوراً خاصاً. عاد إلى سورية عام 1972 وساهم في عدة حفلات وأعراس، وتعرض للمضايقات والملاحقات فغادر البلاد في العام نفسه مكرهاً الى العراق، وسجل في إذاعة بغداد في القسم الكردي أربع أغانٍ من أشعار الشاعر الكبير جكرخوين، كما سجل أول كاسيت خاص به، ضم باقة من أغانيه الرائعة منها  «بيشكفن ـ تقدموا، أزاد شيرين- الحرية الجميلة..» 

وفي عام 1975 لجأ إلى إيران مع الاكراد العراقيين باسم اللاجئين العراقيين وسجل في مهاباد أول شريط له، من أغانيه «هي فلك بوته دنالم، وخم وخياله تا أزرفاندم». واعتقل على إثر ذلك ثم نفي إلى قرية نائية. حيث عمل هناك مدرساً لمادة اللغة العربية إلى جانب تدريسه لمادة الفنون وتزوج وأنجب ثلاثة أطفال. واستطاع أن ينهي دراسته، ويجتاز امتحان الدبلوم في الأدب الفارسي.

وفي عام 1983 عاد إلى سورية، وسجل كاسيت من أغانيه «أزبومه هزار ـ صرت الفاً، كوجي باركر - القافلة ترحل..الخ» وفي عام 1986 سجل آخر كاسيت له «جانا من جانا من»  ورغم استمرار تعرضه للمضايقات مثل إغلاق محله، استمر محمد شيخو في عطائه الفني المتجدد وكان على وشك إنهاء المقاطع الأخيرة من أغنيته «شرمه نه دل» إلا أن المرض المفاجئ حال دون ذلك، ففي 7/3/ 1989 أصيب بمرض مفاجئ وتوفي بعدها بيومين. وقد أحدث نبأ رحيله ضجة كبرى في منطقة الجزيرة ، وسار خلف جثمانه عشرات الآلاف من الرجال والشباب والنساء ودفن في القامشلي . 

بلغ عدد الأشرطة التي سجلها اثني عشر شريطاً تضم حوالي مائه وعشرة أغانٍ من تأليف عدة شعراء منهم : جكرخوين ، يوسف برازي ، تيرز ، عمر لعله ، محمد علي شاكر، بدرخان سندي وغيرهم. 

 كان رجلاً صبوراً صاحب إرادة صلبة، فناناً كرس حياته وفنه في خدمة النضال والتحرر وظل مخلصاً وملتزماً بفنه، عزيز النفس حتى النهاية. 

آخر تعديل على الإثنين, 09 آذار/مارس 2015 14:51