بلقيس الملكة.. فراشة الحكمة
ميسون الإرياني ميسون الإرياني

بلقيس الملكة.. فراشة الحكمة

الملكة «بلقيس»، امرأة غزت التراث البشري وكانت هدفاً للعديد من المؤرِّخين والأدباء والرسامين، والسياسيين كذلك.. بلقيس، الذي ذهب بعض المؤرخين إلى القول إن اسمها لم يكن «بلقيس» بل هو اسم لصفة وليس اسماً لامرأة لم يتمّ حسم اسمها الحقيقي حتى اليوم، كما أوردوا.

هي أول امرأة حكمت وتملكت قومها في الجزيرة العربية، وسادت حولها أقوال كثيرة ترتقي لمنازل الحكايات. وأكدت وجودها الآثار اليمنية، بالإضافة إلى الكتب المقدسة المختلفة. عرفها العرب باسم بلقيس، وبلمقه والحبشيون باسم مكدّا وكندكة، وأشار إليها التراث المسيحي العام باسم ملكة الجنوب أو ملكة التيمن أو شيبا، كــما ذكرت بصفة «أنشودة الأناشيد». أما التراث اليهودي فعــرفها باسم ملكة سبأ والغول (ليلت)، وقد ذكــرت فيه بكامل فتنة الأنثى.

لا تقتصر أهمية هذه الملكة، على الحقيقة التاريخية التي سلف ذكرها، وإنَّما موقعها ضمن امرأتين حكمتا في اليمن، وكانت فترة حكمهما من أزهى الفترات التي عاشتها البلاد. فقد ملكت شعب بلادها وهو مجتمع ذكوري تتضح خصائصه السايكولوجية والسوسيولوجية من قصة توليها العرش الذي تركه لها والدها لرجاحة عقلها، بالإضافة إلى كونه لم ينجب ذكراً لوراثة الحكم.
وكما هو الحال في مجتمعاتنا العربية حاضراً، رفض قومها حكمها وازدروها وهم المملكة العظيمة القوية التي لم تكن بيئة كبيئة اليمن لتقبل منح رياستها لامرأة، على حد قول المؤرخين، مما طمع أحد الملوك وهو الملك «عمرو بن أبرهة» الملقب بذي الأذعار، فاقتاد جيشه لاحتلال مملكة سبأ. وكما تقول القصة التاريخية، فإنَّ بلقيس، وبدهــاء بــارع، هربت بتنكرها في زي أعرابي لأنَّها خشيت انقلاب قومها الرافضين لها.
لكنها لم تنس مملكتها.. انتظرت حتى ساءت أحوال المملكة فتسلَّلت إلى القصر. وبالرغم من تعدّد الروايات حول كيفية عودتها، إلا أنَّها نجحت في التخلّص من الغازي واستعادت ملكها وكسبت مودة الناس إثر عدة انجازات قامت بها كترميم سد مأرب وتطوير التجارة حتى ازدهرت البلاد، وأصبحت المرأة - الملكة الذي ذاع صيتها في الآفاق.
لعلّ في القصة التي وردت في مختلف الكتب السماوية دليل على ذلك، إذ فصّل القران الكريم القصة، المُلك العظيم الذي أثار فضول الملك سليمان، المُلك الذي كان لامرأة حكيمة عظيمة، لكنها كانت تعبد الشمس والقمر ولا بدّ للقارئ أن يعود إلى القصة التي صنفت بمنزلة الأسطورة لشدة غرابتها وجمالها، حتى يتبين له مدى رفعة وحكمة هذه المرأة الراشدة التي اتخذت من الشورى منهجاً في أمر جليل كهذا، والذي من خلاله وقع الملك كما يحكى في حبها وصنع المعجزات لكسبها إلى جانبه.
وهناك قصة جميلة رواها لي أحد الباحثين في الأنثروبولوجيا الثقافية لسكان المنطقة، حيث يحكون بأن هناك هدهداً يزور العرش منذ مئات السنين حتى يومنا هذا، يحط على العرش منذ الفجر حتى إذا جاء الغروب غادر ليعود في اليوم التالي.. حتى إذا مات أطل هدهد جديد ليقوم بنفس السلوك. ويعتبر هذا الهدهد محط دهشة وتقدير من سكان المنطقة بسبب تجسيده للقصة القديمة.

 

المصدر: السفير