شوب!

شوب!

اعتاد أهل مدينتي أن يسخروا من أنهم وإذا ما فرغوا من مادة للحديث، وسادت لحظات الصمت الحرجة، يكفي أن يقول أحدهم بصوتٍ عالٍ: «شوب!»  حتى يجري الكلام مرة أخرى، ويملأ ضجيج المتحدثين المكان.

بدا الأمر كما لو أن أحاديث الطقس تستدعي اهتمام الجميع، فمن درجات الحرارة ومنسوب الأمطار ينتقل الناس لمشاركة هموم مواسم الحصاد والزرع. حيث أن الطقس ليس قضيّة إشكالية. فالجميع يشعر بالحر أو البرد. ومن الصعب أن يختلف اثنان في الرأي حول موقفهما من نشرة الطقس أو عبارة: «الرياحٌ شمالية غربية.. والبحر متوسط ارتفاع الموج». لكن كلمة «شوب» السحرية تنتهي مهمتها هنا؛ عند فتح الحديث. فأحاديث الطقس في النهاية وبالرغم من أنها تشكل أرضية مشتركة، إلا أنها أرضية هشة، لا تضرب عميقاً في الأرض.
في سنوات الأزمة السورية الكثير من أحاديث الطقس أو يشبهها. شبّانٌ وتجمعاتٌ وهيئات جمعتها كلمة «شوب! ». إذ كان الجميع في البداية يبحث عن القواسم المشتركة، حتى لو كانت شعارتٍ عامةً فضفاضة.  والبعض اختصر ذلك حينها بعبارة كثر تداولها: «الناس يبحثون عمّا يجمّعهم بدلاً من تفريقهم». وبالرغم من صوابية الفكرة في العمق إلا أن آلية تطبيقها في الأزمة السورية حملت قدراً كبيراً من المغالطات. وخاصة فيما يتعلق بتحديد تلك القضايا التي توحد الناس حقاً، في العمق وكل يوم.  أثبت ذلك  كل تلك  الانشقاقات  وحركات االانقسام والانفصال في صفوف تلك الهيئات والتجمعات في ما بعد. وما تمخّض عن ذلك كله من حالة «مراوحة في المكان». كما لو أن البعض التقى وتجمع عند نداء «شوب! ». وبعد ذلك ظل الكلام معلقاً عند النداء الأول. يكرر ذاته ويدور في حلقات مفرغة. لأن البعض كان يخاف إن تجاوز عتبة الحديث عن العموميات أن يكتشف حجم الخلافات العميقة. والخلل الكبير في آليات الفرز التي انقسم فيها الشعب السوري باعتبارهم مؤيدين أو معارضين، أو أفراداً ينتمون إلى جماعات دينية أو عرقية .
هناك الكثير الكثير مما يوحد السوريين. عليهم فقط أن يمتلكوا الجرأة للبحث في العمق عما يجمعهم، أو يفرقهم عن أعدائهم الحقيقيين. بدلاً من الاختباء خلف الثرثرات المتعلقة بالمطر وعواصف محتملةٍ أو مرتفع جوي قادم.