توظيف الحكاية الشعبية في الأدب السياسي

توظيف الحكاية الشعبية في الأدب السياسي

استولى حكام منشوريا الإقطاعيون من سلالة تشينغ على السلطة الإمبراطورية في الصين الإقطاعية عام 1644 وبلغت الرقابة الحكومية على المطبوعات في ظل الحكم الإقطاعي لهذه الأسرة أشدها، وزج بالمفكرين والكتاب والشعراء في السجون، ونفي الآخرون إلى مناطق نائية، وجرت معاقبة آخرين بالخدمة الشاقة في الجيش الإمبراطوري لسنوات طويلة، تم خنق حرية الكلمة بشكل كامل، ومنعت الكتابة إلا ما وافقت عليه أجهزة الرقابة الإمبراطورية.

في ظل هذا الوضع الرهيب من القمع والملاحقة، ظهر كاتب من أسرة تشينغ نفسها بعد فترة قصيرة من حكم هذه السلالة هو الكاتب بو سونغ لينغ «1640-1715» صاحب (حكايات لياو تشاي) الشهيرة، وأبدع أسلوباً فريداً من الكتابة، عبّر من خلاله على عدائه المستميت لحكام إمبراطورية منشوريا الجدد ولموظفيهم المرتشين والفاسدين.

كتب بو سونغ لينغ (حكايات لياو تشاي) بعد فترة قصيرة من تأسيس حكم سلالته، وتمتلئ هذه الحكايات بصور وتشبيهات غريبة كالأشباح والأرواح الغريبة والجنيات الفاتنات الساحرات، اعتمد في حصوله على الحكايات على الأساطير الشعبية والقصص التقليدية المتوارثة،  حيث أعاد روايتها من جديد بأسلوب فريد، انتقد فيها حكام الإمبراطورية وجامعي الثروات وكل المتطفلين على عمل غيرهم، واستخدم التشبيهات غير المباشرة كي يفلت من الرقابة الحكومية.

يضم كتاب بو سونغ لينغ (حكايات لياو تشاي) مجموعة من القصص والحكايات التي تعبر عن حقبة زمنية عريضة الامتداد بالاعتماد على الحكايات الفلكلورية السائدة في الصين، جمعها لينغ بنفسه من مختلف المصادر أو أرسلت إليه من قبل أحد أصدقائه، وأعاد روايتها على نحو يمكنها عكس الصورة الحقيقية لواقع عصره وزمانه، ذلك العصر الذي مورست فيه رقابة شديدة ومنعته من الإفصاح بشكل مباشر عن كراهيته وبغضه لسلالة تشينغ، ورجال نظامهم وفسادهم وسلوكهم وممارساتهم المجحفة بحق المواطنين.

استخدم بو سونغ لينغ الجنيات في حكاياته كثيراً لما تتحلى به من مزايا الفتنة والجمال والرقة إضافة لما تتمتع به من القدرة على المكر والخداع، وكانت هذه الجنيات أو الأشباح تمثل وتلعب دور إحدى شخصيات ذلك الزمان، وقد أعطاها لينغ صفات إنسانية ليصنع منها فناً رفيعاً يشد القارئ ويلهب خياله، وجمع فيها أسلوب الرومانتيكية العالية والإبداعية الفنية الخالصة والبراعة الفائقة في التصوير المجازي والوصف الرمزي، وهي الأساليب الأدبية التي كنت سائدة في العصور الإقطاعية.

استخدم بو سونغ لينغ توظيف الحكاية الشعبية الفلكلورية بشكل متقن في الأدب السياسي، وكان يحرر حكاياته بعيداً عن دور النشر، محتفظاً بها كمخطوطات، نشرها وسط نطاق ضيق، صدرت لأول مرة عام 1766 في كتاب حمل اسم (حكايات لياو تشاي) ضمت 431 حكاية، غير أن حكايات كثيرة أخرى اكتشفت منذ ذلك الحين بين أوراق وصفحات ومخطوطات تعود لذلك العصر ليبلغ مجموع ما كتبه بو سونغ لينغ من (حكايات لياو تشاي) هذه أكثر من 500 حكاية.