الكاريكاتير.. سخرية من الاستبداد

الكاريكاتير.. سخرية من الاستبداد

ساق الحظ العاثر «باريحو» حاكم بلاد «بونت» إلى مصر في زيارة رسمية، مصطحباً زوجته «عاتي»، وكانت تمتلك جسداً ضخماً، فاستلفتت سمنتها أنظار المصريين، واستهجنوا ذلك، بسبب تمتع المصريات وقتها بأجساد ممشوقة، فبادر أحد الفنانين بنحت صورة ساخرة للملكة الضيفة، ليكون أول «كاريكاتير» في التاريخ، وهو محفوظ في المتحف المصري، بحالة جيدة، وبصورة واضحة تماماً.

يرى العلماء أن الفنان المصري القديم كان أول من تنبه إلى فن الكاريكاتير، للسخرية من الحاكم الدكتاتور. ويؤكدون أن قدماء المصريين عرفوا فن السخرية من حكامهم، وحرية التعبير عن الرأي كان جزءاً أصيلاً من ثقافتهم، ولم يكن الحاكم مقدساً على طول الخط كما يتصور البعض، فقد كان بعض الحكام في عصور الانهيار، يتعرضون لسخرية الشعب، بالكلام المباشر بين العامة، وكان النحت والرسم انعكاساً للواقع في عصور الانحطاط في تاريخ مصر القديمة. وتوضح بردية «تورين» كيف كان المواطن مصري البسيط يخاطب الفرعون. وقد سخر المصريون من علاقة ملكتهم حتشبسوت بالمهندس «سنموت»الذي بنى لها معبدها ونحته في صخور الجبل غرب الأقصر «حتشبسوت».

«توم وجيري» المصريان..!

كما برع الفنان المصري القديم في الترميز، واستخدم الحيوانات للتعبير عن رأيه في حكامه، فعلى قطعة فخار مستوية «أوستراكا»، صور أحدهم الصراع بين القط والفأر، حيث يعتلي ملك الفئران عجلة حربية تجرها كلبتان، ويهاجم حصناً تحرسه القطط، تلميحاً لقوة الشعب في مواجهة الظلم، ويذهب البعض إلى أن فكرة «توم وجيري» منقولة من هذه الرسوم القديمة. وحسب العلماء كان أول ظهور لرسم كاريكاتيري«للقط والفأر» عام 1300 قبل الميلاد، حيث كان يرمز بالقط إلى الملك، وبالفأر إلى الشعب، والفأر نحيل الجسد في القصص المصرية القديمة كان ينتصر دائما بالحيلة والدهاء، وكانت القصص الشعبية تُختتم بنهايات سعيدة، وانتصار الحق.

وكانت هناك تصورات متنوعة ومدهشة، ونقد خلاَّق للحاكم الظالم قديماً، وربما كان بسيطاً ومستتراً أحياناً، لكنه موجع لمن يستهدفه، ومقنع لمن يفهمه، كرسم ثعلب يرعى قطعان الماعز، وذئب يقود الأوز.وكان انتقاد الحكام محبباً للعامة، وموضوعا متكرراًعند الفنانين،فكان الفنان يبرز مساوئ الحكم، والظلم الاجتماعي، كمساهمة في إصلاح الأحوال برؤية فنية، وهى مبادرة حضارية مبكرة لتفعيل دور الفن اجتماعياً وسياسياً.