«ما معنى أن تكون فلسطينيا» لدينا مطر: استكشاف الشخصي والخاص في حكاية شعب

«ما معنى أن تكون فلسطينيا» لدينا مطر: استكشاف الشخصي والخاص في حكاية شعب

صدر في مطلع الشهر الجاري كتاب جديد بعنوان «ما معنى أن تكون فلسطينيا: حكايات الشعب الفلسطيني»، عن دار I. B. Tauris المرموقة للنشر في 224 صفحة من القطع المتوّسط.

يضم الكتاب لصاحبته دينا مطر، المحاضرة في الإعلام العربي والاتصالات الدولية في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن، حكايات وتجارب وذكريات شخصية لفلسطينيين من الجنسين، ويتسم بتنوّع وتعددية الفئات العمرية والاجتماعية والثقافية المشاركة. فالبعض أغنياء والبعض الآخر فقراء، والبعض شيوخ وآخرون شباب، وكذلك الأمر بالنسبة للقناعات الدينية والثقافية، البعض علماني والآخر متدين.

وقد خضع ترتيب الحكايات والتجارب والذكريات الشخصية لمنطق التسلسل الزمني المتصاعد، الذي يبدأ من فترة ما قبل النكبة في العام 1948 ويصل إلى أواسط التسعينيات، التي شهدت اتفاقيات أوسلو، وإنشاء السلطة الفلسطينية.

الهدف من هذه الحكايات والذكريات ـ التي جمعتها مطر في سياق مقابلات مع فلسطينيين في لبنان وسورية وفلسطين التاريخية ـ هو تقصي كيف صنعت أحداث تاريخية راديكالية وحاسمة حياة ومصائر الناس العاديين، الذين غالبا ما تضيع حكاياتهم وتجاربهم الخاصة في زحمة التحليلات الكبرى للصراع الفلسطيني والعربي ـ الإسرائيلي في فلسطين وعليها.

يغطي الفصل الأوّل الفترة من 1936 ـ 1948، وفي الفصل الثاني معالجة لأحداث النكبة وما تلاها وتغطي الفترة من 1948 ـ 1964، أي زمن إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، وميلاد الحركة الوطنية الفلسطينية في طورها الجديد.

 أما الفصل الثالث، الذي تعنونه مطر بـ «صعود الفدائيين: بين الرومانسية والتراجيديا» فيعالج الفترة من 1964 ـ 1970 وهي الفترة التي شهدت ظهور الفصائل الفلسطينية المسلحة وحرب العام 1967 التي أسفرت عن سقوط الضفة الغربية وقطاع غزة في قبضة الاحتلال الإسرائيلي.

 وتغطي المقابلات في الفصل الرابع الفترة من 1970 وحتى اندلاع الانتفاضة الأولى في العام 1987، وسمتها الرئيسة المقاومة والاحتلال، أما الفصل الخامس والأخير المعنون بـ«أطفال الحجارة والعيش في ظل الانتفاضة الأولى» فيعالج حكايات وتجارب شخصية وذكريات مستمدة من ذلك الحدث الكبير.

في معرض تقديمها للكتاب تذكر مطر بأن الكتابة عن الفلسطينيين وتمكينهم من إسماع صوتهم الخاص مسألة تعترضها مشكلتان رئيستان: أولا، الميل إلى رؤية التاريخ الفلسطيني من خلال علاقته بالتاريخ والرواية الإسرائيليين فقط، وثانياً إن حكاية الفلسطينيين كبشر عاديين تعرضوا لأشكال متنوعة من عنف القوة ما تزال دفينة.

لهذا السبب تعتبر كتابها هذا جهداً متواضعاً يُضاف إلى جهود أخرى، لسرد التاريخ الشخصي للفلسطينيين بمفرداتهم الخاصة، وذلك لعرض وجهة نظر أكثر إنسانية حول معنى أن يكون الإنسان فلسطينياً في القرن الحادي والعشرين.

فالذكريات والحكايات التي يضمها الكتاب تبيّن لنا أن معنى أن تكون فلسطينياً لا يمكن اختزاله في مسألة الهوية فقط، والتي غالبا ما يتم الكلام عنها كهوية وطنية وسياسة أو كهوية مقاومة.

فأن تكون فلسطينيا يعني سلسلة متلاحقة من تجارب مُعاشة في ظل ظروف متغيّرة نجمت عن نكبة العام 1948 وأرغمت أصحابها على دفع أثمان باهظة للبقاء في مناطق مختلفة من العالم بحثا عن الملجأ الآمن وترميم مصائر فردية فتكت بها أقدار عاتية، كانت في جميع الأحوال أقوى منهم، ومع ذلك لم يكفوا عن محاولة البحث عن غد أفضل. وإذا كان في هذا ما يمنح الهوية الفلسطينية فرادة وخصوصية، فإن محاولة دينا مطر تصب في محاولة أكبر لاستكشاف المزيد من الأبعاد الإنسانية للمسألة الفلسطينية.

 وهذه السمة تكاد تكون مشتركة في أغلب الكتابات الفلسطينية في الآونة الأخيرة: البحث عن التفاصيل الصغيرة، واستكشاف الشخصي والخاص، لكتابة تاريخ أكثر شمولية وتعددية وثراء بالمعنى الإنساني العام