«أبي من حيفا»... أنموذج واقعي في «الدوكس بوك»
أماني غنيم أماني غنيم

«أبي من حيفا»... أنموذج واقعي في «الدوكس بوك»

«أبي يخاف العودة... كيف له أن يعود إلى حيفا وقد كان في التاسعة من عمره حين غادرها محاصراً بالخوف؟» بهذه الكلمات عبر الفيلم الوثائقي الطويل «أبي من حيفا» لمخرجه الفلسطيني الدنماركي عمر شرقاوي عن علاقة المخرج بوالده منير الشرقاوي الذي عاش طوال 60 عاماً من عمره ينتظر لحظة تاريخية معممة على مئات آلاف الفلسطينيين المشردين في أصقاع الأرض هي لحظة العودة إلى الوطن، وصولاً إلى عودته إلى حيفا التي لم يعرفها فهي لم تعد حيفا التي خرج منها.

الفيلم الذي عرض يوم (5-3)  في سينما «الزهراء» بدمشق خلال الدورة الرابعة لمهرجان أيام سينما الواقع «الدوكس بوكس» يقع في 52 دقيقة، ويتميز ببراعة إخراجية، تناولت موضوع الغربة الفلسطينية الناتجة عن أكبر عملية تطهير عرقي في التاريخ الحديث والتي تعرض له الشعب الفلسطيني عام 1948.

عمر الشرقاوي لاجئ فلسطيني وهو واحد من أجيال ولدت وعاشت ولم ترَ فلسطين لمرة واحدة، يعكس من خلال فيلمه حالة والده المأزوم على الدوام، والمحمل بماض يثقل كاهله فهو مازال يحمل آثار هذا الماضي على جسده عبر تشوهات لحقت بأطرافه حين كان مقاتلاً في صفوف الثورة الفلسطينية، قبل أن يأتي إلى الدنمارك ويتزوج من دنماركية، عمر هو أكبر أبنائه.

«أبي من حيفا» فيلم وثائقي مصنوع بإيقاع يتناغم مع ما يجول في أعماق الأب اللاجئ «منير الشرقاوي» الذي يمضي برفقة ابنه عمر الذي اعتمد على ثراء شخصية والده وقدرتها أن تكون في مواجهة الكاميرا على هذا القدر الكبير من الإقناع في لقطات كثيراًً ما تكون قريبة، والمادة الوثائقية المكونة غالباً من الصور تأتي في نسيج يكاد يكون روائياً، وفي بنية مونتاجية تجعل الفيلم قادراً على أخذنا إلى حياة الأب والابن وعلاقتهما.

ويضيء الفيلم على المشاعر المتضاربة والمتصارعة المتأتية من قلق الأب من العودة إلى حيفا، وآرائه في ما وصلت إليه القضية الفلسطينية ونحن نسمعه في دمشق يقول: «فلسطين ولدتني ودخلت في غيبوبة... فهي لن تموت ستستيقظ من الغيبوبة». وخلال الرحلة، يبرز فضول الابن في التعرف على ماضي والده، إذ يتوجه إلى دمشق أولا، حيث سكنت غالبية أفراد أسرته، المشهد المؤثر حقاً حين يزور المخرج برفقة والده قبر جده المدفون في إحدى مقابر دمشق، ليصلا بعد ذلك إلى حيفا، ويمكثا في الأراضي المحتلة عشرة أيام، حيث يزوران القدس ومسجدها الأقصى، وبالرغم من أن فلسطين هي بلد المخرج الأصلية إلا أنه وأبوه زاراها بجوازي سفرهما الدنماركيين.

المخرج عمر شرقاوي ولد العام 1974 في كوبنهاغن في الدنمارك لأم دنماركية وأب فلسطيني. عمل مصوراً قبل أن يخرج فيلمه الروائي الأول «مع السلامة جميل» في العام 2008.