رحيل تيسير السعدي.. ممثل بسبع أصوات
عن عمر يناهز 97 عاماً، توفي الممثل السوري تيسير السعدي (1917) في منزله في دمشق صباح أمس. يعدّ الراحل مرجعاً في تاريخ الفن السوري، من خلال تجربته الممتدة قرابة نصف قرن (1930 ــ 1992).
كان السعدي أبرز من أسّسوا وأطلقوا الدراما الإذاعية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، منذ انطلاقها عبر "إذاعة دمشق" الرسميّة. في رصيده حوالي 5 آلاف تمثيلية إذاعية، أكثرها شهرةً "صابر وصبرية" مع زوجته الفنانة الراحلة صبا المحمودي، وقدّم منها مئات الحلقات في إذاعتي دمشق "بي بي سي" وغيرهما.
وتنفتح الحكاية على طفل ولد عند دخول الشريف فيصل إلى دمشق العام 1917، في حي السروجية الذي كانت نوافذه مطلّة على نهر بردى. درس المرحلة الابتدائية في الكتّاب. ويقول في لقاء صحافي: "ما أذكره أن البرد كان يأكل أصابع يدينا وقدمينا، وكنا عندما نعود للمنزل نضع أيدينا بالماء والملح وعند البرد الشديد كانوا يأتون بالعلق ليتخلصوا من الدم الفاسد في أجسامنا". بعد ذلك، درس في المدرسة العلمانيّة الفرنسيّة، كما حصل لاحقاً على دبلوم من "المعهد العالي لفنّ التمثيل" في القاهرة العام 1947 (معهد الفنون المسرحيّة اليوم).
بالمقارنة مع حضوره في الإذاعة والمسرح، يمكن اعتبار مشاركات السعدي التلفزيونية قليلة، بحكم كبر سنه عندما تأسس التلفزيون العربي السوري في الستينيات. مثّل مع دريد لحام ونهاد قلعي في "صح النوم"، وشارك في مسلسلات مثل "زواج على الطريقة المحلية" (1978)، و"تجارب عائلية" (1981)، لتكون آخر مشاركاته التلفزيونية في مسلسل "أيام شامية" العام 1992 بدور أبو ظاهر، كما أدّى صوت الراوي في مسلسل "الزير سالم" العام 2000. كما كان له تجربة مع الفنانة فاتن حمامة في فيلم "الهانم" (1947).
عرف عن الراحل حرصه على دقّة المواعيد إلى درجة أنه اضطرّ أثناء تسجيل حلقة من تمثيلية إذاعية، لم يحضر من الممثلين المشاركين فيها سوى نجاح حفيظ، إلى أداء أدوار أربعة ممثلين إضافة إلى أصوات كركوز وعيواظ والجاهل المتفاصح ليطلق عليه لقب "ممثل بسبع أصوات". عاصر تطورات المسرح بدءاً من خيال الظل، وحتى آخر أشكال المسرح الحديث إضافة إلى فن الحكواتي والسينما الصامتة. وقد أسّس مع أنور البابا، ومعتز الركابي، ورفيق شكري، وحكمت محسن، ورفيق السبيعي، وفهد كعيكاتي، ومصطفى الحلاق أول فرقة مسرحية في سوريا تحمل مواصفات المسرح الحديث.
فنانون كثر أبّنوا الراحل، ومن بينهم الممثل جمال سليمان الذي كتب على صفحته الخاصة على "فايسبوك": "كنت وأنا طفل صغير أنتظر بشوق ولهفة حلقة جديدة من "صابر وصبرية"، تبدّد اكتئاب منزلنا المتواضع، وتزرع الابتسامة على ثغر أمي المتعبة، وأبي الذي كان يجد صعوبة في مغادرة مزاجه الجدي". وكتب المخرج هيثم حقي كتب على صفحته: "رحل آخر الشهود على حالنا والذي كان يعرف أصل الحكاية وتطورها، وقد عاصر ذروتها يوم استشهدت ابنته في ثمانينيات القرن الماضي بجنون سيارة أمن مسرعة".
المصدر: السفير