مطبات: العشوائيون؟

مطبات: العشوائيون؟

نحن في برنامج الخطة الخمسية الحادية عشرة، وكنا في برنامج الخطة التي سبقتها، والتي تودعنا بعد ثلاثة أشهر بما وعدت، وبما أخلفت، وبالضبط نحن حسب ما يقال في قلب الخطة القادمة.. نحن العشوائيين الذين يراد لنا حسبها أن ننتظم على الأقل في بيوت متراصفة، ولها أرقام، وشوارع، وأرصفة، وما إلى هناك من خدمات كالتجمعات البشرية المنظمة، والتي لا تشبه هذا الركام الاسمنتي الذي نتنفس في داخله كالأحياء.

وحتى لا نبدو نحن العشوائيين كمساكين وضحايا، وأننا مغلوبون على أمرنا، وندعو على الفقر وأسبابه في وصولنا إلى ما وصلنا إليه، وحتى لا نظن في شرودنا وثرثراتنا أننا معدمون، ونسهب في التباكي على أحوالنا، وأننا راغبون في الخروج من هذه العشوائيات لكننا دون إمكانيات، وأن هناك من استفاد من مخالفاتنا من مستخدم البلدية وصولاً إلى متعهدي المخالفات، ومن يسهل لهم الأمر... حتى لا نمارس كل هذا (النق) الذي لا يطعم ولا يكسو ولا يخرجنا من عشوائياتنا، يجب أن لا ننسى في غمرة نقاشاتنا غير المجدية أننا سوف نكلف الدولة 1200 مليار ليرة في خطتها الخمسية العاشرة.

ومن كان منا نحن سكان العشوائيات يعتقد أنه فقط من يسكنها، وأن حارته هي المعنية بالأمر، وأن محيط مدينته هو المقصود، فالاحصائيات الحكومية تقدر عدد منازل المناطق العشوائية في سورية بـ 1.2مليون، وهو ما يشكل 30 % من عدد المنازل في بلدنا، ولا يستغرب أحد أن عدد المناطق العشوائية يقدر بـ 205 سكن عشوائي، على مساحة 130ألف هكتار.

أما عن حصتنا نحن الذين نقع تحت عنوان عريض (محدودي الدخل) في تأمين السكن فسوف تتدخل الدولة بنسبة 300 %، وسنكون في مقدمة برامجها لمعالجة السكن العشوائي حيث نحتاج وفق الخطة القادمة إلى 880 ألف مسكن، منها 750 ألف مسكن جديد لتلبية الاحتياج السكاني وتوسيع قاعدة السكن الشعبي الاقتصادي، هذا ما صرح به المهندس أيمن مطلق معاون مدير عام مؤسسة الإسكان.

هذا عدا عن ما ستقدمه لنا شركات التطوير العقاري من عروض، وما ستجود به علينا المصارف والبنوك الخاصة والهامة من قروض عقارية وشخصية، وهي في هذه الفترة تحديداً تعتبرنا زبائن مهمين، وتتنافس على خطب ودنا، ولذا تتهافت علينا عروض التقسيط طويل الأمد، وعروض الشراء والإكساء وسوى ذلك مما سوف يسهل علينا مهمة تطوير واقعنا السكني، وما سوف يجعلنا بالتأكيد نقفز إلى خانة جديدة ليست عشوائية.. ومنتظمة.

كما أننا نظراً لأهميتنا، تعقد لنا المؤتمرات، ليس فقط لأننا نشكل اعتداء جمالياً، ونعطل خطط التنمية، بل لمناقشة الأسباب التي أدت بنا إلى هذه الأمكنة، وكذلك لمناقشة سبل التخلص من هذه الأسباب، فيرى بعض من يناقشون أزمتنا أن السبب في نشوء ظاهرتنا يعود إلى (غياب سياسات التخطيط والإسكان لذوي الدخل المنخفض)، كما أننا بالنسبة له  (معتبراً هذه الأحياء ثروة اقتصادية من حيث موقعها، ووجود عمالة كبيرة بها)، ثم يستنتج لما فيه خيرنا (بالتالي لابد من وجود أساليب كفيلة بتحويل الأحياء العشوائية إلى مناطق منظمة).. ومع ذلك من بيننا نحن العشوائيين من يعتقد غير ذلك، ويظن أننا خارج دائرة الاهتمام.

بالأمس القريب كنا في قلب الخطة التي ستودعنا، بالأمس قبل خمس سنوات انصرمت، تزداد بقعة العشوائيات، تتكاثر البيوت المتهالكة، ويستثمر حتى اللحظة المستفيدون من مخالفاتنا أنفسهم، ولم تفلح معهم صرامة القوانين التي تمنع هذا التكاثر، ويخلقون الذرائع لكي يزداد ثراء المعتاشين على هذا الترهل السكني، وتدفع هذه التجمعات ضريبة خروجها عن التنظيم.. لو يصح ما تعدنا به خطة الغد بالتأكيد سننعتق من عشوائياتنا.