بالزاوية: أرى شجراً يمشي..!!؟
إذا كان المثقف بمثابة زرقاء اليمامة– أو كما يفترض أن يكون- يرى الحدث قبل أن يراه الآخرون، ينبىء قومه بما هو قادم، فإن زرقاء يمامة المثقف السوري– الذي يحتل الشاشات والمنابر الإعلامية- إما هي عوراء، أو عمياء، أو هي تتعامى في أفضل الأحوال؟!
نقرأ في صفحات التراث «إن زرقاء اليمامة، أخبرت يوماً علّية القوم بأنها ترى شجراً يمشي نحو أرضهم، فلم يصدقها القوم وقالوا عهدناكِ صادقة، وهذا لايُصدق.. أعيدي النظر يا زرقاء، فأعادت الزرقاء النظر، وأكدت: أرى شجراً يمشي كما أراكم بجانبي! لابل أراه الآن أوضح مما كنت أراه، أرى تحت الشجر، رجالاً سائرين وراكبين، والشجر معهم يسير، فنظروا هم، ثم قالوا: لا يا زرقاء الجميلة أخطأ نظركِ هذه المرة، وخدعتك عيناك!..».. وجاء الليل فانصرفوا، وعند الفجر أيقظ الناس جيش كبير مسلح، كان جنوده قد موّهوا قدومهم بأن رفعوا أغصان الاشجار وهم يتقدمون نحو اليمامة، ففاجأوا أهلها، وقتلوا الكثير منهم، واستولوا على قلعتهم.
زرقاء اليمامة/ المثقف السوري كان وما زال أبعد ما يكون عن لعب هذا الدور، دور التنبيه إلى خطر العنف كعدو يستهدف وجود بلاده، بعد أن صنّعت وسائل الإعلام المختلفة وسوّقت خلال فترة الأزمة فقط ذاك النموذج الذي ارتضى أن يكون في موقع الفقيه الذي يفتي بالعنف سواء في هذا الخندق أو ذاك، النموذج الذي يبرر، يختلق الذرائع، ويشرعن استمرار الوضع الراهن، هذا النموذج «الميكيافيللي» في نظرته وتحليله للحدث، ارتضى أن يكون قناعاً لوجوه صنّاع الأزمة، فتمترس هنا أو هناك، وبذلك استقال من أداء الدور الوظيفي المطلوب منه، ليكون السائد في الخطاب الثقافي السوري، والنخبوي منه تحديداً، نسخة أخرى عن ذلك الانقسام المشوه والقسري في المجتمع السوري..
فإذا لم يصر المثقف السوري على أنه يرى شجراً يمشي، حتى وإن لم يأبه به من يجب أن يأبه، أقله من باب حرصه على دوره المعرفي المفترض، فماذا يتبقى من الاستحقاقات الأخلاقية لكلمة «المثقف»..؟!