هناك سماء فوقنا!
ما زال سطح السماء مثقوباً بنجومٍ صغيرةٍ كما كان دائماً، والقمر مستعدٌ لمسابقة طفلٍ في الركض إذا ما تحداه الأخير.. هناك في السماء مازال كل شيء كما كان كما لو أنه لم يُمّس، كلُّ ما في الأمر أننا لم نعد ننظر إلى الأعلى بما يكفي، نحن مشغولون بالتحديق أمامنا والتلفّت يميناً وشمالاً..
هناك فوق البلاد بلادٌ أخرى، لها قوانينها وسكّانها وأزمات مرورها الخاصة: العصافير ماتزال تطير أسراباً وتزدحم عند الغروب، ربّما تسترق النظر إلينا قبل أن تكمّل هجرتها، ربّما نسيت ذلك كما نسينا نحن. مازال كوكب الأرض بكل ما فيه من صخبٍ وفوضى وحروب واحداً فقط من إثني عشر كوكباً، يدور دورته الأزلية حول الشمس دون تأخّرٍ أو إبطاء.
نسى الكثيرون منّا كل ذلك حتى أثار قمرٌ مكتمل «جلبةً» في نشرات الأخبار التي ذكرت بأن حجمه سيزداد 14% وسيصبح أكثر بريقاً بدرجة 30%. تساءل البعض أمازال هناك قمرٌ؟! واستنكر آخرون علانيةً أو في قرارة نفوسهم «الإشاحة بالنظر إلى أعلى بعيداً عما يجري هنا»، وسخر البعض من الفرق الذي قد يحدثه تغيّرٌ مماثلٌ في الحجم..
إلا أن ذلك الفرق «الضئيل» كان كافياً لبعض المحظوظين ممن احتفظوا ببيوتهم وشرفات منازلهم وبعضاً من راحة البال كي «يضّربوا» موعداً مع السماء ..
كان القمر مجرّد ذريعةٍ احتاجها الناس كي يمعنوا النظر إلى الأعلى دون الخوف من اتهامهم بإرتكاب أفعالٍ «رومانسية» لا تليق بزمن الحرب..
وفي الوقت الذي أصر فيه الكثيرون أن يظلّوا حبيسي غرف الجلوس أمام التلفاز، يحتفلون بتنصيب «نجم غناء عربيٍ جديد»، ويذرفون دموع السعادة أو الخذلان على رابحٍ سينسونه تماماً فيما بعد، مرّ فوق بيوتهم شهاب ضخمٌ كما لو أنه جمع حزمة شهبٍ صغيرة، اخترق السماء ومشى سريعاً مضيئاً قبل أن يتفتت ويتلاشى.. على شرفة أحد البيوت شابٌ كان يشرب الشاي قبل يُفاجئه الضوء، وقف مذهولاً متوقعاً أن يتفجّر الجسم المشتعل ، ليدرك أن ما ظنّه صاروخاً أو قذيفة كان فقط إحدى «ألعاب السماء النارية» الأكثر جمالاً. على الشرفة ذاتها فتاةٌ تذكرت اللعبة القديمة القائلة بأن الشهاب المضيء قادرٌ على تحقيق الأماني، همست بما استطاعت من الرغبات والأمنيات قبل أن يتلاشى الضوء وينطفئ تماماً في السماء.