"عروة الصعاليك".. مجدداً

"عروة الصعاليك".. مجدداً

أصدرت الهيئة العامة السورية للكتاب مؤخراً ديوان الشاعر "عروة بن الورد" الملقب "أبو الصعاليك"، أو "عروة الصعاليك" كما ورد في كتاب الأغاني.

الصعلكة في اللغة مأخوذة من قولهم: "تصعلكت الإبل"، إذا خرجت أوبارها وانجردت. وربما يكون هذا التعبير اللغوي، أشد التعابير إشارة على فكرة "الانسلاخ" عن كل ما هو قائم وسائد، فالصعلوك ليس هو الفقير الذي لا يملك مالاً، كما تحاول بعض الكتابات تصويره، ولا ذلك الضعيف، فاقد القدرة على المقاومة. بل على العكس من ذلك، فقد مثلت ظاهرة الصعلكة نوع من التمرد على السلطة القائمة والمتمثلة حينذاك بـ"سلطة القبيلة". إنها محاولة للتمرد والثورة على الظلم والقمع والقهر والاستلاب الذي كانت تمارسه السلطة على المجتمع وأفراده.

وإذا كان لكل ظاهرة أسبابها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. الخ، فإن الصعلكة، كما غيرها من الظواهر، كان لها أسباب وعوامل أدت إلى ظهورها في الصحراء العربية ومن ثم بروزها وانتشارها، وكان توزيع الثروة غير العادل، والانقسام الطبقي الحاد في مجتمع "القبيلة" التي مثلت النظام العشائري السائد في ذلك الحين، إضافة إلى قسوة الصحراء وشح الغذاء، حيث وصل أحياناً إلى حد الجوع وتهديد الإنسان بالموت، من أهم أسباب "التصعلك" وانتشاره.
أطلق الصعاليك حركتهم في الجزيرة العربية؛ وكانوا ينتمون لقبائل مختلفة. ولا يعترفون بسلطة القبيلة، وطُرد أغلبهم من قبائلهم. في المقابل كان معظمهم من الشعراء المجيدين، وتعدّ قصائدهم من عيون الشعر العربي.

لم يخرج الصعاليك عن النظام الاجتماعي السائد والسلطة التي تحكمه فقط، بل خرجوا أيضاً من الناحية الفنية خروجاً جذرياً عن نمط القصيدة السائدة ومواضيعها، فكانت معظم أشعارهم مقطوعات قصيرة وليست قصائد كاملة، كما أنهم استغنوا عن الوصف الذي امتازت به القصيدة العربية، كوصف أطلال الأحبة والناقة وغيرها، إلى وصف حياة المغامرة والتمرد على أصحاب الثروة ومناصرة الفقراء، والابتعاد عن الغزل الحسي السائد في قصائد ذلك العصر، ورؤية المرأة والتعامل الواقعي معها كشريكة في الحياة، فكان الحوار مع الزوجة الذي استهل به "أبو الصعاليك"، عروة بن الورد أهم قصائده، المثال الأبرز على ذلك.

احترف عروة بن الورد العبسي "الصعلكة" احترافاً، وحولها إلى ما يفوق الفروسية، من خلال أعماله الإيجابية كالمروءة والتعاون والتضامن الاجتماعي، فكان يغير على القوافل ويغزو لإعانة الفقراء والمرضى والمحتاجين والمستضعفين من قبيلته وكان هؤلاء ينادونه قائلين: "أغثنا يا أبا الصعاليك".

‏ تميز عروة بأنه أضفى على الصعلكة نوعاً من الاحترام والتقدير؛ فهو لم يُخلع من قبيلته كغيره من الشعراء الصعاليك وإنما ظل يحتل مكانة كبيرة فيها، ولكن اختياره الصعلكة، رفعها وكاد يجعل منها تياراً فكريّاً له رؤيةً وفلسفةً خاصة في الحياة، فقد كان شريفاً وشجاعاً ومقداماً، استطاع أن يخرج الصعلكة من نطاق السرقة والنهب والسلب.. الخ،  ويجعل منها نداءً يدعو للتضامن والتكافل الاجتماعي، وتأكيداً لما للفقراء من حق في مال الأغنياء‏. إضافة إلى أنه رجل كريم وشخصية قيادية حافظ على أرواح من معه وجنبهم الفناء، ولذلك لُقّب "سيد الصعاليك".

الديوان الذي رسم لوحة غلافه الفنان رامز حاج حسين، يقع في 127 صفحة من القطع الكبير، رصد كل النصوص التي تعقبها التاريخ من أشعار عروة بن الورد بأسلوب مشروح ومفصل ومحقق. وهو من شرح أبو يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت البغدادي وتحقيق الشاعر الراحل عبد المعين الملوحي.