(إسرائيل) الطفلة المدللة.. و(داعش) ابن الخطيئة
مؤخراً، تداولت بعض صفحات الفيسبوك، وفي مقدمتها صفحة «احتلوا الوول ستريت»، رسماً لجدولٍ بسيط يوضّح القواسم المشتركة بين تنظيم داعش والكيان الصهيوني. لوهلة، بدت تلك المعلومات صادمةً نظراً لبساطتها. كما لو أنها أزالت كل «مساحيق التجميل الإعلامية» التي تصّور «داعش» كنقيض مظلم لدولة الاحتلال «الديمقراطية» و«المنفتحة». بدت الحقائق بالرغم من تسرّعها ربما، عارية دون تكلف، وإن كانت ضمن المعالجات التقليدية للنخب الغربية المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني.
وفقاً للرسم المُبسط، يشترك «داعش» و«إسرائيل» في كون الإثنان «دولة أو كيان» تم تشكيله بصورة غير شرعية، قوامه مقاتلون بجنسيات أوروبية. «داعش وإسرائيل» يستخدمان، كلٌ على طريقته، الدين كذريعة، ويتشاركان أيضاً في ترهيب المدنيين والأبرياء، كلاهما ممولين من الغرب، وينعمان براحة البال نتيجة تجاهل المجتمع الدولي ومؤسساته لجرائمهما. انطلاقاً من تلك المقارنات البسيطة استطاع الرسم التوضيحي البعيد عن التكلّف استقطاب اهتمام الكثيرين الذين بادروا إلى نشره، تاركين وراءهم مئات الدراسات والتحاليل المعقّدة حول التنظيم وبنيته من الداخل.
خلال عدة أسابيع تلت نشر الجدول، بدأت تتوضّح معلومات وحقائق جديدة تؤكد بصورة مباشرة أو غير مباشرة الصفات المشتركة بين «داعش» و«إسرائيل».
أمثلة متعددة!
على سبيل المثال، نشر مركز دراسات العولمة، سلسلة من المقالات التي تسلّط الضوء على بعض مما يجري في الكيان الصهيوني، كان أبرزها مقال تحت عنوان: «نتانيهو الملك في عالم الخوف البربري». يستعرض المقال سلسلة من الحقائق حول سياسات الفصل العنصري داخل دولة الاحتلال، والتي انعكست بوضوح في نتائج استطلاع لآراء طلاب المدارس في الكيان الصهيوني، الذي نشر مؤخراً. يظهر الاستطلاع، حسب كاتب المقال، عُمق المشاعر «الشوفينية» في نفوس شبان دولة الاحتلال. وفق النتائج المنشورة، يرى رُبع أفراد العيّنة فقط، أن الديمقراطية أكثر أهمية لـ«إسرائيل» من يهودية الدولة. ويُشار في موضع آخر إلى أن ثُلثي العيّنة ذكرت أنه لم يسبق لها قط أن كونت أي نوع من الاتصال مع مواطنين من الجانب الفلسطيني.
لا يستغرب كاتب المقال «جوناثان كوك» تلك الحقائق بالنظر للتاريخ الطويل من تكريس سياسات الفصل العنصري، في سياق تكوين شخصيات المراهقين. إذ يذكر أيضاً أنه وحتى أكثر (الآباء الإسرائيليين) «ليبرالية»، يديرون ظهورهم لفكرة التعليم المختلط بين العرب و(الإسرائيليين)، بحيث تأتي فرص اللقاءات بين المجتمعين في مراحل متقدمة عمرياً، وغالباً ضمن ظروف غير متكافئة في العمل. وحتى ذلك الوقت تكون الأفكار المسبقة عن العرب، قد تكرّست في المدرسة والخدمة العسكرية والمناخ السياسي العام.
يُكمل الكاتب بالقول: أن مدرسين في الكيان الصهيوني، أفضوا له بخشيتهم من «الضغط النفسي» الذي قد يتولّد لدى أبناءهم، جراء تطوير صداقات مُحتمّلة مع العرب في الوقت الذي يهيئون فيه أنفسهم للخدمة العسكرية في الجيش الذي يعامل الفلسطينيين بوصفهم كائنات أقل إنسانية.
بعض الجرأة!
وفي سياق متصل يدعم منظور المقارنة بين «داعش» و«إسرائيل»، أثار مقطع فيديو يصور مداخلة جريئة لأحد أعضاء البرلمان الإيرلندي، اهتماماً خاصاً من الصفحات الداعمة للقضية الفلسطينية كمدونة الانتفاضة الإلكترونية. وفي الشريط المُعنون: «لماذا كان نتانياهو مجرم الحرب في مظاهرة تشارلي إيبدو؟» يوجه ريتشارد بويد باررت كلامه إلى رئيس الوزراء الإيرلندي تحت سقف البرلمان، ليسأله مستنكراً كيف يشارك جنباً إلى جنب مع نتانياهو في المسيرة التي تلت حادثة شارلي إيبدو وضمّت روؤساءً وقادة حول العالم. بعد ذلك يتلو بارت عدداً من أكثر التصريحات عنصريةً وقسوة، والتي تفوه بها نتانياهو، ومعه سبعة وزراء آخرين. تجيز تلك التصريحات قتل الفلسطينيين، ومن بينهم النساء والأطفال الذين يتم وصفهم بالأفاعي. فيما يصرّح وزير آخر، بأنه قتل الكثير من العرب في حياته وأنه لا يجد ضراراً من قتل المزيد بعد.
تجلّت أهمية الخطوة التي قام بها رجل القانون ريتشارد بويد باررت، في أنه كشف على الملأ «اللغة الدموية» التي يتحدث بها قادة دولة الاحتلال، خاصةً وأن تجميع تلك التصريحات وتلاوتها بصورة متصّلة، تظهر كمّ التعصّب والسادية التي تشكل قوام الكيان الصهيوني وتضمن بقاءه.
على نار هادئة..!
وبالعودة لفكرة المقارنة بين «إسرائيل» و«داعش»، بالطبع تحتاج القضية إلى تأمّل معمّق يدرس الأهداف السياسية والاستراتيجية والاقتصادية لكل منهما، ويحلل وظيفتهما وجدوى وجودهما في المنطقة. لكن المؤكد أن «داعش وإسرائيل» يشتركان في كونهما أدوات فاشية، زُرعت لنشر الفوضى وتهديد أمن المنطقة، وتركها في حالة حروب ونزاعات دائمة. لكن دولة الاحتلال «طُبٍخت على نار هادئة» وبصورة علنية، بحيث تم العمل على شرعنتها بمواثيق دولية لتكون «ابنة الغرب المدللة»، وهي بالإضافة إلى كونها أداة فإنها جزء من منظومة الرأسمال المالي العالمي. وبهذا المعنى، تكون داعش «الابن غير الشرعي للغرب» ، الذي يتم تصويره كولدٍ عاق يهدد مفاهيم الانفتاح والديمقراطية والتطوّر، بالرغم من كونه وفي العمق، لا يفعل سوى خدمة أهداف الغرب وتنفيذ أجندته.