افتحوا الكون.. الضيق يقتلنا!
«أنا أفهم المسرح كمسرح يغير ولا يتغير، أنا أرفض المسرح الذي يقدم قيماً أخلاقية ثابتة من منظور تبريدي، المسرح المطلوب في وطننا هو المسرح الذي يؤكد قيماً اجتماعية وأفكاراً جديدة تدفع بوعي الناس إلى الأمام» • فواز الساجر
على قصاصة ورق وجدت في جيبه، كان قد كتبها قبل أيام من وفاته المفاجئة، كتب يقول: «تفكيرنا ضيق، مصيرنا ضيق، موتنا ضيق، قبرنا ضيق، افتحوا الأبواب والنوافذ، سيقتلنا الضيق، افتحوا الكون، الضيق، الضيق، الضيق». فواز الساجر المخرج المسرحي، والمبدع الذي أسس مع سعدالله ونوس الركائز الأولى لمسرح حقيقي، لمعت حياته القصيرة كشهاب، ربى فيها عدة أجيال من المسرحيين السوريين، قبل أن يباغته الموت ولم يكن قد أتم الأربعين عاماً تاركاً خلفة إرثاً مسرحياً غنياً.
«أن نكون أو لا نكون»
ولد عام 1948 في إحدى قرى منبج شمال حلب، درس الإخراج المسرحي في موسكو، وحصل على الدكتوراه. قدم العديد من العروض المسرحية في بداياته، منها «الضيوف لا يحبون الإقامة في هذا البلد»، و«حليب الضيوف»، وثلاثية بعنوان «أن نكون أو لا نكون»، ثم «رسول من قرية تاميرا للاستفهام عن مسألة الحرب والسلم» مع المسرح الجامعي، شاركت عروضه في بعض مهرجانات دمشق للفنون المسرحية.
في عام 1977، أسس مع سعد الله ونوس المسرح التجريبي لأول مرة في سورية، وقدم عدة مسرحيات منها «يوميات مجنون» عن نص لنيكولاي غوغول، ثم «رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة» التي اقتبسها سعد الله ونوس عن مسرحية «كيف تخلص السيد موكينبوت من آلامه» لبيتر فايس وعرضت في الكويت وفي ألمانيا. وثلاث حكايات وهي «ضربة شمس – حكاية صديقنا بانشو – الرجل الذي صار كلباً» وعرضت هذه المسرحية في تونس، و«سهرة مع أبي خليل القباني» لسعد الله ونوس، وكانت مسرحية «سكان الكهف» الوحيدة له مع المسرح القومي آخر عمل له قبل وفاته.
أوفد إلى اليابان للاطلاع على المسرح الياباني وأنجز عرض «توراندوت».ساهم في تأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية وعمل مدرساً فيه.
خصوصية المتلقي..!
عُرف عنه تمكنه من الإمساك بتفاصيل العرض المسرحي كلها، وقدرته على إعادة خلقها كنسيج متوازن، عبر قدرته على التشكيل المشهدي ذو الإيقاع السريع والمتواتر والذي يكرس دوره كمخرج.
الفضاء المسرحي عنده منفتح تتغلغل الموسيقى في جوانبه حتى تدخل في تكوين العرض المسرحي، لأنه لا يعتبر الموسيقى حالة تزينية للعرض فقط، بل جزء من بنية العمل. وركز بشكل كبير على مسألة الحرفية والتقنيات وحدود التجريب الذي لا يجوز حسب قناعاته أن يتحول إلى غاية بحد ذاته.
انطفئ القلب!
وفي حوار معه عن المسرح التجريبي قال الساجر: «منذ بداية نشاطي المسرحي، رغم قصر التجربة كان هاجسي الأساسي هو الوصول إلى المتفرج مستفيداً من طبيعة تكوينه وخصوصيته الشرقية، ولذلك بدأت اختبر معلوماتي وقناعاتي المسرحية، وقد اضطررت للتخلي عن الكثير من هذه القناعات بسبب بعدها عن متفرجنا رغم أكاديميتها وثبات صحتها».
وكان الساجر يشير إلى ضيق المجال الإبداعي بسبب الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية عموماً التي تجعل الفنان المبدع أسير قيود من التقاليد والقواعد والأحكام والرقابة.
قال عنه سعد الله ونوس في حفل تأبينه: «أنا قد يسعفني الحظ ويندمل جرحي.. أما المسرح فقد يطول به الانتظار حتى يسترد الألق الذي انطفأ حين توقف قلب فواز الساجر».