«حدث في يوم المسرح» للمهند حيدر.. مساحة ضائعة بين المنصة والواقع
سامر محمد إسماعيل سامر محمد إسماعيل

«حدث في يوم المسرح» للمهند حيدر.. مساحة ضائعة بين المنصة والواقع

ذهب المهند حيدر مخرج عرض «حدث في يوم المسرح» (صالة القباني، إنتاج مديرية المسارح والموسيقى، مستمر حتى 25 كانون الأول) إلى تورية من جنس المسرح ذاته للتعليق على أزمة فنية مزمنة؛ 

لطالما كانت في جوهرها أزمة تشخيص أزمة، أكثر منها معضلة مسرح لا يزال فنانون ومهتمون وعشاق ومجانين كثر يواظبون على عيادته؛ لكنها في عرض «حدث في يوم المسرح» يستعير «حيدر» مناسبة الاحتفال بيوم المسرح العالمي كزمان لمسرحيته التي تروي حكاية مدير منصة يقوم بالتجهيز للاحتفالية العالمية؛ فيفاجأ بفتاة جعلت من مسرح القباني ملجأً لها بعد نزوحها عن بيتها الذي أطاحته قذائف الحرب.

فكرة جيدة كان من الممكن تطويرها وشحذها بما يدعّمها وينتشلها من يوميات الجنون السوري؛ لولا أن العرض لم يدخل هذه المجازفة، بل ترك المساحات منفلشة بين الواقع والخشبة؛ فالنص الذي قام «حيدر» بإعداده عن مسرحية للكاتب وليد إخلاصي بدا في حالته الراهنة أقرب إلى تداعيات لا رابط بينها، والمفارقة المزمع بناؤها على حوارية بين «الفتاة» (آلاء مصري زادة) و«موظف المسرح القومي» (عمر عنتر) بدت هي الأخرى بلا إيقاع يحكم تواتر ردود أفعال الشخصيتين؛ حيث استحال أداء الممثلين ما يشبه استظهاراً لجمل وعبارات تتوسل حرقتها وسوداوية مواقفها؛ من دون أن تكون هناك أية علامات دالة على لمسات إخراجية ونصية تضع المسرحية في سياقها الذي توخته «أزمة المسرح انعكاس لأزمة بلاد بأكملها»؛ فالموظف الذي خانته خطيبته في كواليس المسرح يشرع بأداء مبالغ به لمقاطع من «الليدي ماكبث» لشكسبير و«ست شخصيات تبحث عن مؤلف» لبيرانديللو، منجذباً نحو تقليد كليشيهات الأداء في بعض عروض المسرح الجاد، لكنه وفي محاولة للتهكم عليها، تأخذ أفعاله المتقطعة وغير المترابطة بعداً واقعياً لا فنياً؛ وشتان بين هذه وتلك.

إن مقاربة مُعدّ العرض ومخرجه لحال المسرح السوري في ظل الموت العبثي وبهذه الطريقة الكرتونية؛ بدت أقرب إلى زمن واقعي منها إلى زمن فني؛ أضف إلى ذلك الأداء الرتيب والممل للممثلين «زادة وعنتر»، فلا قصة واضحة للفتاة اللاجئة، ولا تناغم أصلاً بينها وبين موظف المسرح الذي ما فتئ هاتفه الجوال يرن على نغمة رومانسية تردد: «إننا محكومون بالأمل وما يجري اليوم ليس نهاية التاريخ» عبارة سعد الله ونوس التي أرادها «حيدر» هنا مرثاة لواقع المسرح في بلاده؛ كررها كل مرة يرن فيها هاتف «الموظف» دون جدوى تذكر؛ سوى التأكيد على الحكم الذي أبرمه ونوس دون حق طعن أو استئناف. مباشرة غير مفهومة يسوقها مخرج العرض عن شاب يقتله عشق المسرح، فيما تسوق المسرحية رؤيا سوداء عن «مسارح صارت مخازن للجرذان والحشرات»٫

أضف إلى أن التعامل مع قطع الديكور المحدودة كان بدوره قاسياً وغير موظف هو الآخر، فالفتاة تجعل من تمثال أبي خليل القباني رائد المسرح السوري «تقالة» لصنع المكدوس، ثم وفي قصدية لافتعال مفارقة تجلس الفتاة بمؤخرتها على رأس أبي خليل! كدليل على جهل الناس بفن الخشبة! عدا أن توظيف الكاميرا الثابتة من غرفة الكونترول كان فائضاً ومجانياً؛ فلم يخدم الفكرة أو يعززها، بل ساهم في التشويش وضاعف من بطء الإيقاع وبلادته؛ فمجيء موظف المسرح إلى الصالة، فيما الفتاة تعبث بكاميرا تبدو في حالة تقنية جيدة كان افتتاحية غير موفقة؛ في حين كان من المفروض أن تنعدم هذه التقنية في حال كان المسرح مهجوراً ومباحاً أمام من هب ودب٫

كما حاول العرض تصويره للجمهور؛ لتصير المسرحية بحد ذاتها مفارقة؛ كون الأدوات الفنية كانت قاصرة في صياغة الفكرة وإنضاجها، فلا المسرح صار بيتاً للجرذان، ولا هو كائن مقابل المسجد الشهير أكثر منه؛ بل استمر العرض حتى نهايته متجاهلاً أن الواقع نوع من الفن الرديء؛ وما كان متوقعاً أن يكون مرافعة في وجه اللغة الخشبية والتعالي على الجمهور، صار نسخةً عنهما.

 

المصدر: السفير