أربع قصائد للشاعر الروماني فاليريو ستانشو
ولد الشاعر فاليريو ستانشو في العام 1950 برومانيا. كاتب وصحفي ومترجم وأكاديمي. يشغل منذ سنة 1970 مدير دار النشر كرونيكا ومنذ 1983 مدير تحرير المجلة الأدبية الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه. عضو في اتحاد كتاب رومانيا وفي جمعية صحفيي رومانيا. أصدر مجموعات شعرية كثيرة وحصل على عدة جوائز أدبية. يكتب شعره بالفرنسية والرومانية.
يتميز شعر فاليريو ستانشو بشكل لافت بإثارة أسئلة وجودية جوهرها القلق والحيرة في بلد عرف وما يزال مخاضات ومحطات درامية عديدة. ويكمن العمق الشعري لديه في زحزحة الموروث العقائدي من خلال استدراج رموزه إلى الراهن الإنساني. لذلك يحضر في شعره الدم والعذاب والموت وتحضر صورة المسيح بقوة لا لتكريس المعتقَد الديني السائد بل لاستنطاقه وتحريره من المقدّس وتوظيفه، بشكل ساخر أحيانا، في مساءلة المصير البشري في سياق التحولات الراهنة. كما يحضر المنفى بمفهومه الواسع بشكل قوي أيضا في ارتباط مع السياق التاريخي الحديث لرومانيا.
تشكل النصوص أدناه صورة عن بعض هذه الموضوعات التي تميز شعر فاليرو ستانشو.
مشروع انتحار باذخ
تعاليْ حبيبتي كي ننتحر
(الرواسب الكلسيةُ على كلّ حالٍ تصيرُ يوما ما حطباً)
فلنستغلَّ تواجُدَنا بإتْرِتا*
وسيارتَنا الباذخة
كي نُلقي بأنفسنا من أعلى جُرْفٍ بالنّورْمانْدي
ثمّةَ على كل حالٍ من سَبقَنا إلى ذلك
فلننتهزْ هذه الفرصة حبيبتي، ليس ثمةَ أسهلُ من ذلك
نتسلقُ حتى أعلى نقطةٍ من الساحلِ الجبليّ
الأفاعي المختبئةُ في العشبِ تداعبُ كعْب سيارتنا
وزهراتُ الأوركيد البحريةُ تتشبثُ بالصخورِ
وفي الأسفلِ تلمعُ أمواجُ بحرالمانش العنيفةِ
نموتُ سكرانينِ من شدةِ العشقِ
ونغمِ المياهِ المالحة
الصيادونَ وقتَ الجزرِ يُجرْجِرونَ أقدامَهم
التي جرحتْها الصُّدَفُ ولطَّختْها الطحالبُ
وأشباهُ الأثرياء سيواصلونَ عرضَ مراكبهم الفاخرة
التي تكونُ قد جَرّتْها فوق الحصى آلاتُ الدفع الهائجة
بينما سيتظاهرُ ذوو الأحاسيس القوية
بقراءةِ الصحيفةِ باطمئنانٍ
حين سيتابعون بكلِّ شغفٍ سُقوطنا من أعلى
تعاليْ حبيبتي كي ننتحر
إنه أمرٌ جميلٌ أن ينتحرَ المرءُ من فوقِ جُرف إتْرِتا
إذ يُلقي بنفسهِ في المياهِ وهو يسوقُ سيارةً فاخرة
غداً سنكونُ في الصفحاتِ الأولى للجرائدِ
هذا بالمناسبةِ ما أردتُ قولَه لصديقي الفيلسوف :
"كي تعيشَ، يجب أنْ تموتَ !"
*إترتا ـEtreta ـ مدينة بمنطقة النورماندي شمال غرب فرنسا.
***
عَمى
المسيح لم يلبس أبدا نظاراتٍ
كيْ يحمي رُؤيتهُ
من العدمِ
وكي يحمي عينيهِ
من رمالِ الصحاري
هو لم يلبسْ أبداً نظاراتٍ
ولم يُبصرني
حين أشرتُ إليهِ
بأنّني أريدُ أن أتبعهُ
أن أتبعهُ في مرايا النوم
متواضعاً ومحتاراً
مثل أتباعهِ.
بيتي لم يدخلهُ المسيحُ أبداً
طالبا أن آويهِ
ولو ليلةً.
لم يدخلْ أبدا بيتي
طالبا أن أطعمهُ
ولم يدخُلهُ أبدا
راغبا في قدَحٍ
كي يشربَ منهُ عذابه فوق الصليب
حتى الثمالة.
المسيح لم يلبس أبدا نظاراتٍ
لو فعلَ لكانَ بوسعهِ أن يَرى
بيتي الذي يشبهُ السجنَ
وشارعَ الشعراءِ
فقيراً مقفراً مجهولا...
شارعَ الشعراءِ
ذا العوسجِ الذي تُغطّيهِ أشواكُ
تاجِهِ
شارعَ الشعراءِ
ذا الأكاسيا المزهرة في الشتاء
وهي تنتظرُ دمَ جبهتها
ولكانَ بوسعه أن يرى كلابَ الصديقِ
رفيقِ مُحادثاتٍ طويلة
على سطحِ الأبديةِ
كلَّ يومٍ
وكل ليلةٍ
ولاستطاع أن يرى
أفكارنا الليلية.
لكن المسيح لم يلبس أبدا نظاراتٍ.
هو لم يعرفْ أنَّ البصرَ
يزدادُ ضُعفا مع مُرورِ الوقت
مثل الحُبّ الذي يزدادُ ضُعفا مع مرور الوقتِ
ومثلَ الإيمانِ الذي يزدادُ ضُعفا مع الوقت...
المسيح لم يَرَني
وأنا لم آخذ أبدا بيدهِ
قائلا : "اتبعني يا إلهي في مملكتي"
***
شيخوخة الموت
الموت الأولُ المندسُّ
في أحشائنا
منذ ولادتنا
لا يخيفُ سوى
الشعراء الرّحّل
الغاوينَ
في أمبراطوريةِ النوم.
الموتُ الأولُ
مثلَ عشيقةٍ وفية
لا تخيفُ سوى عبيد المعابدِ
الذين بِهمْ مسٌّ من جنون
والذين يَعرفونها بسهولةٍ
حين يُقبّلونها
لأنَّ أفكارهم بدأت تشيخُ
كزنبورٍ وقعَ في فخٍّ
بين نوافذَ من زجاجِ الأبدية.
الموت الأول
لا يخيفُ سوى الذين بدَّلوا عقيدتهم
الذين يقتاتون
من جروح الوهم...
الموت الأول ليس إلا ملاذاً
ضدّ هزيمة النوم.
الموت الأول ليس سوى سربِ طيورٍ عمياء.
***
منفى داخلي
بجروحٍ فولاذيةٍ
أجمعُ شظايا
المنفى الداخليِّ
وأشباحَ التوبَةِ
ومجرّاتِ الخوفِ
وغرَقَ الصحاري.
في لا نهائيةِ زهرةِ السوسن
ترتوي خيولُ النوم.
*ترجمها عن أصلها الفرنسي
محمد ميلود غرافي: شاعر ومترجم مغربي.
المصدر: مجلة كيكا