رسوم ترامب الجمركية: عواقب وآثار محتملة
مايكل روبرتس مايكل روبرتس

رسوم ترامب الجمركية: عواقب وآثار محتملة

فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوماً جمركية مرتفعة في 3 نيسان الجاري 2025، بمثابة إعلان حرب تجارية سمّاها «يوم التحرير الاقتصادي للولايات المتحدة»، وهي جزء من سياسة «أمريكا أولاً» الهادفة لتقليل العجز التجاري الأمريكي، رغم تحذيرات اقتصادية من تداعياتها السلبية. وسرعان ما أدى إعلان هذه الرسوم إلى هبوط حادّ في البورصات واضطرابات في الأسواق الأمريكية والعالمية. وجاءت هذه الخطوة ضمن سلسلة من الإجراءات التجارية التي بدأها ترامب منذ ولايته الأولى (2017–2021)، لكن الموجة الأخيرة شملت توسيعاً غير مسبوق بنسب تتراوح بين 10% و50% على واردات من 184 دولة ومنطقة، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والصين ومعظم الدول العربية.

ترجمة: قاسيون

في الرابع من نيسان كتب الخبير الاقتصادي الماركسي، مايكل روبرتس في مدوّنته «الركود التالي» تلخيصاً للتأثيرات المتوقّعة للرسوم الجمركية الأمريكية هذه. وقبل أن نوردها سنذكُر أولاً لمحة عن نسبها وردود الفعل الأولية للبورصات العالمية عليها.

بدأ تطبيق رسوم ترامب التجارية بعد إعلانها بشكل شبه فوري، بدءاً بنسبة 25% على السيارات المستوردة من خارج الولايات المتحدة اعتباراً من 4 نيسان الجاري. وسبق لترامب فرض رسوم جمركية خلال ولايته الأولى (مثل 25% على الصلب و10% على الألومنيوم في 2018).

وفي شباط 2025، بدأ توسيع نطاق الرسوم ليشمل كندا والمكسيك والصين، قبل تعميمها عالمياً في نيسان.

خسائر البورصات الأمريكية والعالمية

في الأسواق الأمريكية: كانت الأسهم التكنولوجية الأكثر تضرراً بسبب اعتمادها على سلاسل التوريد العالمية، حيث خسرت آبل وتسلا ونفيديا أكثر من 7% في يوم واحد. وانخفض سعر خام برنت إلى 65 دولاراً للبرميل، وهو أدنى مستوى منذ 2021. وخسر مؤشر S&P500 نحو 6% في يوم واحد (5 نيسان)، وإجمالي الخسائر في يومين 5.4 تريليون دولار من القيمة السوقية، وهو أسوأ أداء منذ آذار 2020 أثناء جائحة كوفيد-19. وانخفض مؤشر داو جونز 5.5% (نحو 2,200 نقطة) في 5 نيسان، ليصل إجمالي خسائر الأسبوع إلى 9.1%. ودخل ناسداك في سوق هابطة (Bear Market) بعد انخفاضه 20% عن ذروته في كانون الأول 2024. وحذّر رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول من أنّ الرسوم قد ترفع التضخم وتُبطئ النمو. وتوقَّع محلّلو JPMorgan احتمال 60% لدخول الاقتصاد العالمي في ركود عام 2025.

تراجع مؤشر نيكاي الياباني بنسبة 2.75%. ووصف رئيس الوزراء الياباني الرسوم بأنها «أزمة وطنية».

وخسرت بورصات كوريا الجنوبية وأستراليا بنحو 0.86% و2.44% على التوالي.

انخفضت البورصات الأوروبية بنسب تتراوح بين 0.7% و5.12%، مع تسجيل مؤشر STOXX600 أكبر خسارة يومية منذ 2020. ودعا الاتحاد الأوروبي إلى ردّ موحَّد ووقف مؤقَّت للاستثمارات في الولايات المتحدة.

في الصين: أغلقت الأسواق بسبب عطلة رسمية، لكن اتبعت الصين سياسة «العين بالعين» فأعلنت فرض رسوم مضادة بنسبة 34% على الواردات الأمريكية بدءاً من 10 نيسان، وقدمت شكوى إلى منظمة التجارة العالمية.

وارتفع الذهب إلى مستويات قياسية كملاذ آمن، متجاوزاً 3,130 دولاراً للأونصة قبل تراجع طفيف.

الجَمرَكة الأعلى منذ 130 عاماً

بحسب مقال مايكل روبرتس، يتمثل التأثير العام لزيادة الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب في رفع متوسط معدل التعرفة الجمركية على الواردات الأمريكية من السلع إلى 26%، وهو أعلى مستوى خلال 130 عاماً.
لا تتعلق الصيغة المستخدمة لتحديد الرسوم الجمركية على كل دولة تصدّر إلى الولايات المتحدة بأيّ ضرائب غير عادلة أو دعم أو حواجز غير جمركية تفرضها تلك الدول على الصادرات الأمريكية، بل إنها تتبع صيغة بسيطة: وهي حجم العجز التجاري الأمريكي مع كل دولة مقسوماً على حجم الواردات الأمريكية من تلك الدولة، ثم يُقسم الناتج على اثنين.

مثلاً: لدى أمريكا عجز بقيمة 123 مليار دولار مع فيتنام التي تستورد منها سلعاً بقيمة 137 مليار دولار. ولذلك، تُعتبر أن لديها حواجز تجارية تعادل تعرفة استيراد بنسبة 90%. تطبق الصيغة الأمريكية رسوماً جمركية مقابلة تعادل نصف تلك النسبة «45%»، بهدف تقليص العجز الثنائي إلى النصف. المشكلة: فيتنام لا تفرض تعرفة جمركية بنسبة 90% على الصادرات الأمريكية، وبالتالي لا يمكنها تجنّب خفض مبيعاتها إلى الولايات المتحدة بمجرد الموافقة على تقليص «رسومها الجمركية» على الصادرات الأمريكية.

ستترك هذه الإجراءات أثراً كبيراً في دول الجنوب العالمي. تطال بعض أعلى نسب الرسوم الجمركية دولاً نامية منخفضة الدخل في جنوب وجنوب شرق آسيا مثل كمبوديا أو سريلانكا. تطبّق رسوم ترامب الجمركية فقط على واردات السلع، وليس على الخدمات. لدى الولايات المتحدة عجز في السلع مع دول الاتحاد الأوروبي، ولهذا فرض ترامب رسوماً بنسبة 20% على تلك الواردات. لكن لم تُتخذ أية إجراءات ضد قطاع الخدمات «الذي يمثل نحو 20% من إجمالي التجارة العالمية».

يحقق الاتحاد الأوروبي فائضاً في السلع مع الولايات المتحدة، لكنه يواجه عجزاً كبيراً في قطاع الخدمات «المصرفية، التأمين، الخدمات المهنية، البرمجيات، الاتصالات الرقمية، إلخ» مع الولايات المتحدة. ولو أُدرجت الخدمات في الحسابات، لاختفى العجز الأمريكي مع الاتحاد الأوروبي تقريباً.

تُفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على جميع الدول، حتى تلك التي لديها عجز في تجارة السلع مع الولايات المتحدة. ينطبق ذلك أيضاً على دول لا توجد لها أية علاقات تجارية مع الولايات المتحدة، وليس فيها سكّان (كالقارة القطبية الجنوبية). مثلاً تبلغ الرسوم الجمركية على المملكة المتحدة 10%. وبالتالي، رغم أن تجارة السلع البريطانية متوازنة تقريباً مع الولايات المتحدة «58 مليار دولار مقابل 56 مليار دولار»، إلا أنّ صادراتها إلى الولايات المتحدة ستتأثر سلباً لكون هذه الأخيرة الشريك التجاري الأكبر لها. ولو طُبقت صيغة ترامب للسلع على المملكة المتحدة، لما كان هناك أي رسوم على وارداتها. لكن في المقابل، لو أُدرجت تجارة الخدمات في المعادلة، لبلغت الرسوم على الواردات من المملكة المتحدة 20%! وتقدّر شركة مورغان ستانلي أنّ النظام الجمركي الجديد قد يقلّص النمو البريطاني بنسبة تصل إلى 0.6 نقطة مئوية «علماً أن النمو البريطاني يقارب الصفر أساساً».

أضرار على صناعة الأمريكيين ومعيشتهم

ستؤدّي الرسوم الجمركية إلى زيادة كبيرة في الأسعار، وسيتحمل المستهلك الأمريكي العبء الأكبر، وخاصة في مجموعة واسعة من الأغذية الأساسية والسلع الضرورية التي لا يمكن إنتاجها محلياً. الأسر الفقيرة ستعاني التأثير الأكبر. كما ستعاني الصناعة الأمريكية من ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج والآلات والمعدات الأساسية، وهو ما سيفوق بكثير أية فوائد هامشية ناتجة عن انخفاض المنافسة الأجنبية.

مثال آخر: قد تؤدي الرسوم الجمركية بنسبة 54% على الصين إلى انخفاض في الواردات بقيمة 507 مليار دولار، بينما تبلغ قيمة صادرات الصين أساساً إلى أمريكا 510 مليارات دولار. ستؤدي رسوم ترامب على الصين إلى تقليص الواردات الأمريكية بنحو 20%. وهذا من شأنه أن يُحدث «صدمة عرض» مشابهة لما جرى خلال فترة جائحة كوفيد، ما قد يؤدي إلى ركود اقتصادي و/أو تضخم في الولايات المتحدة.

ستؤدي الإجراءات الانتقامية من الدول الأخرى إلى انخفاض في الصادرات الأمريكية. ففي ثلاثينيات القرن الماضي، وبعد فرض رسوم «سموت-هاولي» الجمركية، أدت الردود الانتقامية إلى تراجع الصادرات الأمريكية بنسبة 33%، وإلى تدهور في التجارة الدولية عُرف باسم «دوامة كيندلبرغر»: وهي دورة تبدأ فيها الرسوم الجمركية بتقليص التجارة، ثم تؤدي الردود الانتقامية إلى مزيد من الانخفاض، ثم تتوالى الإجراءات الانتقامية، ثم تظهر الآثار الأولية على الناتج، ثم الآثار الثانوية، تليها المزيد من الرسوم والانتقام، حتى انهارت التجارة العالمية من 3 مليارات دولار في كانون الثاني 1929 إلى مليار واحد في آذار 1933.

ستضرب حرب تجارية قائمة على الرسوم الجمركية الاقتصاد الأمريكي بشكل أشد من أزمة «سموت-هاولي»، لأن التجارة حالياً تمثل ثلاثة أضعاف ما كانت عليه كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1929، حيث شكلت 15% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 مقارنةً بنحو 6% في 1929.

قد يتراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للولايات المتحدة هذا العام بما يتراوح بين 1.5 إلى 2 نقطة مئوية، وقد يصل التضخم إلى نحو 5% إذا لم يتم التراجع عن هذه الرسوم قريباً «وفقاً لتوقعات UBS».

سيؤدي تباطؤ نمو التجارة نتيجة الرسوم الجمركية إلى انخفاض في تدفقات رؤوس الأموال الدولية، مما سيُضعف الاستثمارات والنمو الاقتصادي على مستوى العالم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1221