مؤشر قاسيون: انخفاض القدرة الشرائية للأسرة السورية يبتلع انخفاض تكاليف المعيشة
مع انتهاء الربع الأول من عام 2025، سجّل «مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة» انخفاضاً في وسطي تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، مدفوعاً بتراجع ملحوظ في أسعار الغذاء. وقد بلغ وسطي التكاليف نحو 12.8 مليون ليرة سورية، فيما قُدّر الحد الأدنى لتكاليف المعيشة بـ8,051,604 ليرة.
إلا أن هذا الانخفاض، ورغم أهميته النسبية، يتوازى مع تدهور متواصل في المستوى المعيشي، إذ لا يزال الحد الأدنى للأجور ثابتاً عند 278,910 ليرة سورية شهرياً، ما يعكس فجوة شاسعة بين الدخل والإنفاق الضروري. وتتفاقم هذه الفجوة مع تزايد أعداد المتضررين من انقطاع الرواتب وارتفاع معدلات البطالة، في ظل تسارع عمليات «إعادة الهيكلة» التي تزج بالمزيد من العاملين إلى صفوف البطالة، دون وجود بدائل اقتصادية فعالة حتى الآن.
في إطار سعيه المستمر لقياس مستوى تكاليف المعيشة بشكل دقيق وموضوعي، تبنّى «مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة»، ابتداءً من عدد جريدة قاسيون رقم 1036، منهجية محدّدة لحساب الحد الأدنى الضروري لمعيشة أسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد. تنطلق هذه المنهجية من مقاربة تعتمد سلة الغذاء كمدخل أساسي في تحديد الحد الأدنى من الاحتياجات المعيشية، مستندة إلى معيار حاجة الفرد اليومية إلى نحو 2400 حريرة، يتم الحصول عليها من مصادر غذائية متنوعة ومتوازنة.
لبناء هذا التقدير، يعود المؤشر إلى تصور محدَّد للوجبة اليومية للفرد، جرى تطويره في «مؤتمر الإبداع والاعتماد على الذات» الذي نظمه الاتحاد العام لنقابات العمال في عام 1987. في حينه، لم يهدف هذا التصور إلى تأمين البقاء الفيزيولوجي للفرد فقط، بل يتعداه إلى توفير الحد الأدنى من الطاقة اللازمة لإعادة إنتاج قوة العمل، ما يعني أن المؤشر لا يُقارب المعيشة من زاوية استهلاكية بحتة، بل يربطها بشكل مباشر بالقدرة على الاستمرار في العمل والإنتاج ضمن دورة الحياة الاقتصادية.
ووفقاً لهذه المنهجية، تُقدّر كلفة سلة الغذاء الضروري بنسبة 40% من إجمالي تكاليف المعيشة، بينما تُشكل النسبة المتبقية (60%) مجموعة واسعة من الاحتياجات غير الغذائية، تشمل تكاليف السكن والمواصلات والتعليم والرعاية الصحية، واللباس والأدوات المنزلية والاتصالات، وسواها من الجوانب التي تُعد أساسية لضمان مستوى معيشي مستقر. وما يميّز هذه المنهجية هو اتساقها الداخلي وقدرتها على تقديم صورة مركّبة وواضحة لتكاليف المعيشة، عبر دمج البُعد الغذائي بالحاجات الأخرى وفق منطق نسبي مدروس، يضمن تقديم تقدير دقيق إلى أبعد حد ممكن للحد الأدنى اللازم للحياة في سورية. كما أن اعتماد المؤشر على قاعدة مرجعية وطنية، صيغت في سياق اجتماعي واقتصادي محلي، يمنحه شرعية تحليلية تفتقر إليها العديد من المؤشرات العامة أو المعتمدة على نماذج مستوردة.
الأجور لا تغطي سوى 2.1% من وسطي المعيشة
في نهاية شهر آذار 2025، شهد وسطي تكاليف معيشة الأسرة السورية انخفاضاً بنحو 1,675,007 ليرة سورية عن وسطي التكاليف التي سجلها مؤشر قاسيون في بداية عام 2025، حيث انتقلت هذه التكاليف من 14,557,573 ليرة في بداية كانون الثاني 2025، إلى 12,882,567 ليرة في نهاية آذار (بينما انخفض الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة بنحو 1,046,879 ليرة، منتقلاً من 9,098,483 ليرة في بداية كانون الثاني، إلى 8,051,604 ليرة في نهاية آذار)، أي أن التكاليف انخفضت فعلياً بنسبة قاربت 13.0% خلال ثلاثة أشهر (كانون الثاني، شباط، آذار).
في المقابل، لا يزال الحد الأدنى للأجور في سورية ثابتاً حتى الآن عند مستوى 278,910 ليرة سورية شهرياً، ما يجعله هشّاً للغاية من حيث قيمته الحقيقية. وبالمقارنة مع وسطي تكاليف معيشة الأسرة كما يُقدّره «مؤشر قاسيون»، فإن هذا الأجر لا يغطي سوى نحو 2.1% فقط من الاحتياجات الأساسية لأسرة مكوّنة من خمسة أفراد، في مشهد يُجسّد الاتساع الهائل في الفجوة بين الأجور والإنفاق الضروري.
الانخفاض يطال معظم أسعار الغذاء
انخفض الحد الأدنى لتكاليف الغذاء الأساسية الشهرية لأسرة من خمسة أفراد من 4,549,242 ليرة في بداية كانون الثاني إلى 3,220,642 ليرة في نهاية شهر آذار. وذلك بالاعتماد على وسطي أسعار هذه المكونات في الأسواق الشعبية بالعاصمة دمشق.
نتيجة تخفيض وزن ربطة الخبز من 1500 غرام إلى 1200 غرام، ارتفع ثمن 500 غرام خبز ضرورية للفرد يومياً بنسبة 20% من 1,333 ليرة في بداية كانون الثاني إلى 1,667 ليرة في نهاية آذار.
وانخفضت أسعار اللحوم (اللحوم الحمراء والدجاج) بنحو 53.9%، حيث انخفض سعر الـ75 غرام منها من 10,388 ليرة في بداية العام، إلى نحو 6,750 ليرة في نهاية آذار.
وانخفضت أسعار الحلويات بمقدار 58.1% عن حسابات بداية العام، إذ وصلت تكلفة 112 غرام حلويات ضرورية للفرد يومياً إلى 6,020 ليرة، بينما كانت في بداية كانون الثاني الماضي 9,520 ليرة. وحافظت أسعار الجبن على مستواها، حيث ظل سعر 25 غرام منه يعادل 1,000 ليرة.
وعلى هذا النحو، انخفضت تكلفة البيض بمقدار 36.0%، حيث انتقلت تكلفة 50 غرام منه يومياً من نحو 944 ليرة في بداية العام، إلى 694 ليرة في نهاية آذار. بينما انخفضت أسعار الخضار بنسبة -31.4%، حيث انتقل سعر 65 غرام منها من 3,875 ليرة في أيلول، إلى 2,950 ليرة في بداية كانون الثاني 2025.
في المقابل، ارتفعت أسعار الفواكه الموسمية بنسبة 6.9%، إذ انتقل سعر 60 غرام منها من 2,233 ليرة في بداية عام 2025، إلى 2,400 ليرة في نهاية آذار. أما الأرز، فقد انخفض بنحو 133%، منتقلاً ثمن 70 غرام منه يومياً من 1,960 ليرة في بداية كانون الثاني، إلى 840 ليرة في نهاية آذار.
تكاليف الحاجات الأخرى الضرورية: 4,8 مليون
ارتفعت تكاليف الحد الأدنى للحاجات الضرورية الأخرى التي تشكل 60% من مجموع تكاليف المعيشة (مثل السكن والمواصلات والتعليم واللباس والصحة وأدوات منزلية واتصالات... وغيره) من 4,549,242 في بداية عام 2025، إلى 4,830,963 في نهاية آذار أي أنها ارتفعت بمقدار 5.8% خلال ثلاثة أشهر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1220