الحرب التجارية الأمريكية 2.0
أعلن دونالد ترامب عن شن حروب تجارية على عشرات الدول دفعة واحدة: على الاتحاد الأوروبي بأسره، وكندا، والمكسيك، والصين، ولم يستثنِ روسيا، مهدداً بتشديد العقوبات إذا لم يتم قبول صفقة حول أوكرانيا. مع العودة الثانية لدونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فقد حلفاء الولايات المتحدة وأنصارها كل راحة وسكينة. تهدد التوجهات الجديدة في السياسة الخارجية والقيود التجارية المرتبطة بها، النظام العالمي الذي استمر لعقود من الزمن ورفاهية النخب التي اعتادت العيش على ظهر الولايات المتحدة.
ترجمة: أوديت الحسين
قيّم المحللون الرسوم الجمركية الأمريكية التي بلغت 20% على الواردات من كندا باستثناء المواد الطاقوية «التي تم فرض رسوم عليها بنسبة 10%» بأنها ضربة غير متوقعة على الحليف. هدف هذه العقوبات وغيرها من الإجراءات، والتي لا يمكن تسميتها إلا بهذا الاسم وفقاً للنشرة الرسمية للبيت الأبيض، هو تقليص تدفقات المهاجرين غير الشرعيين و«الفنتانيل السام» والمخدرات الأخرى التي يتم تهريبها إلى الولايات المتحدة من هذه البلدان وغيرها.
أدى فرض الرسوم الجمركية على الواردات من كندا، والمكسيك، والصين إلى تراجع سوق الأسهم الأمريكية وضعف الدولار أمام اليوان الصيني. وذكرت صحيفة «التلغراف» البريطانية أن الخوف من تأثيرات الحرب التجارية لدونالد ترامب دفع بنك إنكلترا إلى سحب آلاف السبائك الذهبية من خزائنه.
أثار هجوم ترامب السياسي صدمة لدى بعض السياسيين، فقد قرر رئيس وزراء كندا جاستن ترودو أن يرد على ترامب بفرض الرسوم الجمركية نفسها على السلع الأمريكية «مثل البيرة، والنبيذ، والبوربون، والفواكه والعصائر، والخضروات، والعطور، والملابس والأحذية، والأجهزة المنزلية، والمنتجات الرياضية، والأثاث، والأخشاب، والبلاستيك» التي بلغ إجمالي قيمتها 106.6 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، تم مناقشة تدابير غير جمركية في حكومة كندا تتعلق بالمعادن الحيوية الأخرى والمشتريات الاستراتيجية. ومع ذلك، بعد يومين، خفف ترودو من حماسه، معلناً على مواقع التواصل الاجتماعي عن تشكيل «قوات كندية-أمريكية مشتركة لمكافحة الجريمة المنظمة والفنتانيل وغسيل الأموال»، وتعزيز الحدود وتعليق الرسوم الجمركية.
في المقابل، وعد دونالد ترامب بتجميد الرسوم الجمركية لمدة 30 يوماً، قائلاً إن ذلك جاء استجابة للخطة المكلفة لتعزيز الحدود بين الولايات المتحدة وكندا باستخدام «طائرات هليكوبتر جديدة، وتقنيات، وموظفين، وزيادة الموارد لوقف تدفق الفنتانيل». تم تمديد هذا التعليق أيضاً على المكسيك، التي تُعتبر الحلقة الرئيسية في إعادة توجيه السلع الصينية إلى الولايات المتحدة.
يحتل الصراع مع أكبر اقتصاد في العالم، الصين، مكانة خاصة في سياسة ترامب. يمكن اعتبار الرسوم الجمركية «الجزئية» على السلع الصينية «التي تبلغ حالياً 10% فقط» بمثابة اختبار تحذيري يوجهه ترامب إلى المنافس الرئيسي. في حال عدم موافقة قيادة الصين على تقديم تنازلات معينة، فإن الرئيس الأمريكي يلمح إلى إمكانية رفع الرسوم الجمركية إلى 100%.
لم يتأخر رد الصين، حيث وجهت ضربة مضادة على شكل حزمة كاملة من التدابير المضادة، كما وعدت برفع دعوى ضد الولايات المتحدة أمام منظمة التجارة العالمية. قررت الصين فرض رسوم إضافية «15%» على الفحم والغاز الطبيعي المستورد من الولايات المتحدة، بينما فرضت رسوماً «10%» على النفط الخام، والمعدات الزراعية، والسيارات الكبيرة، والشاحنات الصغيرة.
قد تكون أكبر ضربة للاقتصاد الأمريكي هي فرض الرقابة على تصدير المعادن النادرة والمكونات التكنولوجية المتقدمة الأخرى، بما في ذلك التنغستن، والتيلوريوم، والبزموت، والموليبدينوم، والإنديوم، التي لا غنى عنها في صناعة أشباه الموصلات. بالإضافة إلى ذلك، أضافت السلطات الصينية الشركات الأمريكية إلى قائمة الشركات غير الموثوقة، وأعلنت عن بدء تحقيق رسمي ضد غوغل بسبب «الانتهاك المشتبه به لقوانين مكافحة الاحتكار».
من النظرة الأولى، يبدو أن الصين قد أظهرت لترامب بوضوح أنه لا يمكن التحدث إليها من موقف القوة، ولكن من جهة أخرى، كما يعتقد الاقتصاديون، فإنَّ أيّاً من التدابير التي تتخذها الصين، بما في ذلك الرسوم الجمركية، لا تلحق ضرراً كبيراً بالولايات المتحدة. يقول ألكسندر ماسلوف، مدير معهد الشرق الأقصى في الأكاديمية الروسية للعلوم: «الصين على الأرجح تعرض الأدوات والخيارات التي لديها في الاحتياط. اليوم، تتصرف بكين بشكل أكثر مسؤولية بكثير من الولايات المتحدة، وهي تدرك تماماً أن الصراع الاقتصادي بين القوتين سيؤدي قبل كل شيء إلى انهيار خطير للاقتصاد العالمي».
في الاتحاد الأوروبي، لا يزالون مترددين في مواجهة خطط واشنطن النابليونية، ولا يتجاوزون التصريحات الكبيرة. ومع ذلك، فإن ترامب قد أوضح أنه لا ينوي التراجع عن نواياه. في البداية، وعد بالقيام «بشيء كبير جداً مع الاتحاد الأوروبي»، متهماً إياه بمعاملة الولايات المتحدة بشكل سيئ. بعد أيام قليلة، أدلى السياسي الأمريكي بتصريح أكثر حسماً، قائلاً إنه «بالتأكيد» سيفرض رسوماً جمركية على السلع القادمة من الاتحاد الأوروبي، واصفاً تصرفات الاتحاد بأنها «وحشية». لتأكيد اتهاماته، قال إن قيمة السلع المستوردة من أوروبا إلى الولايات المتحدة تتجاوز بكثير قيمة السلع الأمريكية المصدرة إليها، والتي تزيد عن 300 مليار دولار.
ومع ذلك، قامت صحيفة «بوليتكو» بتصحيح ترامب «في عام 2023، كان الميزان التجاري الإجمالي لصالح الاتحاد الأوروبي يبلغ 51.8 مليار يورو فقط»، لكن ذلك لم يؤثر على موقفه المعادي لأوروبا. حتى الآن، لم ترد أي قيود على السلع الأمريكية من الأوروبيين، وفقاً لرؤية صاحب البيت الأبيض. لا يزال المفوضون الأوروبيون، الذين شعروا بالصدمة من تصريحات القائد الذي كانوا يعولون عليه، ينتظرون شيئاً ما، على الأرجح يأملون أن يغير ترامب غضبه إلى رحمة ويتخذهم حلفاء. في هذه الأثناء، قال مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي إن الاتحاد يسعى لإيجاد حل وسط لتجنب تصعيد العلاقات التجارية. ومع ذلك، في حال فرضت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية، ستكون التدابير المضادة صارمة.
ستزيد موجة التهديدات التجارية من حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية والبورصات السلعية. ستؤدي الرسوم الجمركية المرتفعة إلى عواقب غير متوقعة على التجارة العالمية والولايات المتحدة نفسها: سيتم إعادة تشكيل جزء من السوق العالمي، وستتغير مسارات اللوجستيات. في المقام الأول، ستتأثر شركات النفط والغاز الأمريكية التي تصدر الغاز الطبيعي المسال والمنتجات النفطية إلى الصين، وكذلك غوغل بخدمتها الشاملة. في النهاية، ستدفع الولايات المتحدة نفسها إلى «قفص تجاري»: بسبب النفقات الإضافية، سترتفع أسعار الواردات، بينما ستنخفض أسعار السلع الأمريكية المحلية، وسيصبح تصديرها غير مربح بسبب الرسوم الجمركية.
تؤكد دراسة أجرتها شركة الاستشارات «إرنست ويونغ غلوبال» أن خطة ترامب للرسوم الجمركية هذا العام قد تؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد الأمريكي بنسبة 1.5%، وإغراق كندا والمكسيك في الركود، وتسبب «الركود التضخمي». في الوقت نفسه، ستختبر الصين صدمة أقل، حيث سينخفض ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 0.3% في عام 2025، و0.7% في عام 2026.
يخشى الاقتصاديون الأمريكيون أن تؤثر زيادة الرسوم الجمركية على السلع المستوردة بشكل أساسي على الفقراء. بسبب ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة، بحسب حسابات معهد بيترسون، سيخسر متوسط الأسرة الأمريكية حوالي 2,600 دولار سنوياً بعد دفع الضرائب. كما يصدر مركز العمل من أجل التقدم الأمريكي تقديراً غير مشجع أيضاً: فرض رسوم جمركية جديدة سيكون بمثابة زيادة الضرائب على الأسرة الأمريكية العادية بمقدار 2,500–3,900 دولار سنوياً. يحذر المجلس الأمريكي للهجرة من أنه سيتعين على الفقراء دفع المزيد إذا أخذنا في الاعتبار أن ترحيل الملايين من المهاجرين غير الشرعيين سيكلف على الأقل حوالي 315 مليار دولار، إذا تم إتمامه في فترة قصيرة، أو ربما أكثر بكثير إذا استغرق تنفيذه عقداً من الزمن. تسعى واشنطن إلى إيجاد حل سريع للخروج من أزمتها بأي ثمن.
يحاول ترامب تنفيذ الوعود التي قدمها خلال حملته الانتخابية، مثل استعادة الإنتاج وإعادة توظيف الأمريكيين. ونتيجة لذلك، يرى في الصين منافسه الرئيسي. القضية لا تتعلق فقط بالحرب التجارية: تحاول الولايات المتحدة توجيه ضربة إلى نموذج التنمية الصيني، الذي يضطر أمريكا لشراء مجموعة كبيرة من السلع ذات الحجم والنوعية الكبيرة.
لكن هناك شكوك حول ما إذا كان ذلك ممكناً من الناحية الفنية. الاقتصادات الكبرى في العالم مترابطة بشكل وثيق لدرجة أن أي محاولة لعرقلة دولة ما ستؤثر حتماً على الأخرى. كما لا ينبغي أن ننسى أن الإنتاجية، والتكامل العمودي، وتكلفة الإنتاج في الصين اليوم تبدو أفضل بكثير مما كانت عليه في سنوات حكم ترامب الأولى.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1214