بريكس يجب أن تحارب «العقوبات الثانوية»
إنّ وجود منظمة بريكس ونموّها وعدد الراغبين بالانتساب إليها هو بحدّ ذاته إشارة هامّة على أنّ النظام العالمي الجديد ينضج بسرعة كبيرة. لكنّ بريكس، مثل غيرها من المنظمات المحورية التي تسعى للإسهام في استبدال القديم، لديها مؤسسات يجب أن تبنيها، وعَقبات وتَحدّيات يجب أن تتجاوزها، وذلك بأكمله ضمن ديناميكيّة معقدة، لا يمكن التنبؤ بها، ولكن يمكن مواكبتها من حيث التحليل والمتابعة. في هذا المقال، إليكم أبرز ما تحدّث عنه شو بولينغ، مدير المكتب الاقتصادي الروسي بمعهد الدراسات الروسية وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، والخبير الخاص في حوار بكين، عن أنّ دول بريكس يجب أن تتمكّن من تخطّي العقوبات الثانوية «التي تُفرض على الكيانات والأشخاص الذين يتعاملون مع الكيانات والأشخاص المفروض عليهم عقوبات أصيّلة».
ترجمة: أوديت الحسين
تبدو توقّعات الخبراء بشأن الاقتصاد في بريكس، مقارنة بتقييمهم للوضع الأمني، أكثر تفاؤلاً. إنّهم متشائمون نسبيّاً فيما يتعلّق ببناء هيكل أمني جديد والحفاظ على السلام والنظام القائمين. إنّ المواجهة بين الدول الكبرى واختيار الدول الصغيرة للجانبين تجعل من الملحّ بشكل خاص إنشاء نظام أمن اقتصادي، وأمني جديد عندما يتمّ تجاوز العديد من الخطوط الحمراء.
على الصعيد الاقتصادي، على الرغم من أن التعاون بين دول البريكس لا يزال يواجه العديد من الصعوبات، إلا أنّ كل المتحدثين طرحوا اقتراحاتٍ أو خططاً لتحقيق التعاون والتنمية. أعتقد أنّ المنطق المشترك للأمن والاقتصاد هو أنه في حالة الصراع، فإنّ خطر المواجهة بين القوى الكبرى والدول الصغيرة التي تختار إلى أيّ جانبٍ تصطفّ، مرتفعٌ للغاية. ومع ذلك، عند إنشاء نظامٍ للتعاون، وخاصة نظام جديد خارج نظام الدولار، قد تتمكن الدول الصغيرة من الاستفادة من كلا الجانبين.
أكّدنا دائماً أنّ مجموعة بريكس لا ينبغي أن تكون منظَّمة مواجَهة، بل خياراً بديلاً. إنّ مدى قدرة هذا الخيار البديل على توفير فرص التنمية للدول النامية، وخاصةً دول الجنوب العالمي، سيحدّد عمقَ واتّساع تعاون بريكس، فضلاً عن إمكانيّة النجاح وعمليّة التنمية. يهدف التعاون ضمن إطار مجموعة بريكس إلى بناء نظام بديل قد لا يكون فعّالاً في البداية. لأنّ الناس عاشوا داخل النظام الحالي لفترة طويلة، فإنّ تغيير النظام فجأة يمكن أن يخلق تحدّيات. يتطلّب تخطّي هذه التحدّيات دعمَ مفهومٍ مشترك مفادُه أنّ الدولة يجب أن تقدّم الدعم من الأعلى إلى الأسفل، حتى يصبح من الممكن تعويض تكاليف الشركات المشاركة في التعاون وتقليل المخاطر عندما تكون الكفاءة منخفضة.
تَتبع جميعُ الحلول التي يقترحها الخبراء المنطقَ من السهل إلى الصعب، ومن الملموس إلى التفصيلي. ولا ينبغي لنا أن نتعجّل ونسعى إلى تسوية العملة المشتركة القابلة للاستبدال بالكامل منذ البداية، لأنّ آليات الترجيح والتسعير للعملة المشتركة معقّدة للغاية. يمكننا، كما قال بروفسور العلاقات الدولية في جامعة تسنغهوا، تانغ شياو يانغ، تحقيق المصالح قصيرة المدى أولاً، وجذب المشاركة من جميع البلدان، وعلى هذا الأساس، تعزيز تطوير التعاون المتبادل وأنظمة التسوية.
العقوبات الثانوية قد تكون أسوأ من المباشرة
إنّ تعاون الجنوب العالمي من خلال آلية بريكس هو في الواقع ثورة. إنّ بريكس هي في الواقع منصّة ثوريّة تهدف إلى حلّ التهديدات الحالية بالعقوبات المباشرة والعقوبات الثانوية على فرصنا التنموية. بالنسبة للصين وروسيا، لا تمثّل العقوبات المباشرة مشكلةً، إلّا أنّ نظام العقوبات الثّانوية الذي أنشأتْه الولايات المتحدة، بناءً على شبكة سيطرتها، يشكّل شبكةً تحرِم الدُّولَ النامية من مزاياها. ولذلك، فإنّ معظم البيانات العامّة حول مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني الروسي والتغيرات الحالية فيه غير دقيقة.
هناك أيضاً أخبار جيّدة على المستوى الثنائي للتعاون الاقتصادي والتجاري الصيني الروسي. قبل عام 2022، كان نموذج التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني الروسي تقوده الحكومة بشكل أساسي، حيث تنفّذ الشركات الكبيرة المشاريع وتتبعها الشركات الصغيرة، وهذا نموذج تجاري يقوده الأمن. وبعد عام 2022، اغتنم رواد الأعمال من القطّاع الخاص الفرصة وشاركوا بنشاط في التجارة، فحوّلوا التجارة الصينية الروسية من تجارة واحدة يقودها الأمن إلى تجارة مزدوجة يقودها الأمن والسوق. ويعدّ هذا المحرّك ذو العجلتين مصدرَ النمو السريع في حجم التجارة الصينية الروسية في الأعوام 2022، و2023، وحتّى 2024.
التعددية تضمن النجاح
الواقع أنّ احتياجات التعاون الصيني الروسي وسبل حلّ المشاكل الداخلية أصبحت صعبة على المستوى الثنائي، ولا بدّ من التحرك نحو التعددية. إنّ التحديات الداخلية والخارجية وشروط التعاون التي تواجهها الصين وروسيا حادّة نسبياً. وفيما يتعلّق بالظروف الخارجيّة للتعاون، فإنّ المنافسة الحاليّة بين الصين والولايات المتحدة هي في الواقع معركة حاسمة. تقوم الولايات المتحدة بتأخير وتقييد التنمية في الصين من خلال «إثارة المشاكل» في جميع أنحاء الصين.
تعمل الصين على تعزيز إعادة العولمة من خلال الانفتاح والاتحاد مع الدول الأخرى ردّاً على الضغوط الأمريكية. إلا أنّ النظام العالمي الحالي يعيش حالة من الفوضى، تشبه ما عاشه في الفترة الانتقالية بين ما بعد الحرب الباردة وتشكيل نظام جديد. كما أشار رئيسا روسيا والصين في مباحثاتهما العام الماضي، فإن التغيير الجاري هو على مستوى كبير بحيث لم يحدث مثله منذ نحو قرن من الزمان، ونحن بحاجة إلى تعزيز تنميته بشكل مشترك. والأمر الأكثر أهميّة هو أنّه على الرغم من أنّ هيمنة الولايات المتحدة تضعف، إلا أنه لا يمكننا أن نتوقع انهيارها السريع، لتمتّعها بالمرونة. تشهد الصين نمواً، وتعود روسيا إلى مسارها باعتبارها قوّة عظمى، ولكنّنا لا نستطيع أن نتنبأ بتفاصيل ما سيحدث سياسيّاً في المستقبل.
تواجه روسيا والصين في الواقع بعض التحدّيات الداخلية، وكلاهما بحاجة إلى بيئة تنموية سلمية للتعامل مع المشاكل الداخلية. لا يزال الصراع بين روسيا وأوكرانيا قائماً، ولا تزال روسيا في النفق ولم ترَ النور بعد. وسوف تصبح العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والغرب أكثر صرامة، ممّا يفرض تحديات خطيرة على تعزيز النمو الاقتصادي.
تواجه الصين أيضاً العديد من التحديات الآن، وقد أدّى عدم اليقين الاقتصادي المحلّي إلى انخفاض الاستثمار الخاص. على الرغم من زيادة إجمالي الاستثمار في الصين بنسبة 3.6% في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى يوليو/حزيران، زادت الصادرات بنسبة 7%. إلّا أنّ الناس ورجال الأعمال يشعرون عموماً أنه من الصعب كسب المال، وتوقّعاتهم للمستقبل ضعيفة نسبياً. تحوّل العديد من رجال الأعمال الجنوبيين إلى السوق الروسية عندما انخفضت الصادرات إلى الغرب. سجّلت صادرات فوشان «القريبة من هونغ كونغ» نموّاً سلبياً بنسبة 24.6% في النصف الأول من هذا العام.
تمرّ الصين بفترة حسّاسة من إعادة الهيكلة الاقتصادية وحل المشكلات. ورغم أنّنا نواجه مشكلة ضَعفِ التوقّعات، فإنّ التحدي الرئيسي يكمن في أنّ المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تمرّ بفترة حرجة. كيف يمكن حلّ هذه المشكلة؟ يوفّر التعاون بين الصين وروسيا الظروف الملائمة لتنمية كلّ منهما. وفي العامين الماضيين، استخدمت روسيا التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني الروسي لتحقيق النمو، كما حصل بعض رجال الأعمال الصينيين على عوائد سخيّة من خلال تطوير السوق الروسية. لكنّ هذا التعاون الثنائي يواجه الآن مشاكل يصعب حلها على المستوى الثنائي.
يتعيّن علينا أن نلاحظ أن الصين وروسيا لديهما أولويات مختلفة، ولكنّهما تشتركان في الأهداف في العديد من الجوانب. إنّهما تشتركان في هدف معارضة الهيمنة الأمريكية، وتعزيز التعددية القطبية العالمية، وتشكيل آلية تعاون لدول الجنوب العالمي. ضمن هذه الآليّة، يجب منع تأثير العقوبات الثانوية على الميّالين لمنصّات العالم متعدد الأطراف، وإلّا فلن نتمكن من حلّ مشكلة تسوية التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني الروسي مع البلدان النامية الأخرى. ولذلك، أعتقد أنّ أفضل طريقة لحلّ هذه المشكلة هي الانتقال من علاقة ثنائية إلى متعددة الأطراف، وتشجيع التغييرات في النظام العالمي، وتشكيل بيئة دوليّة مفيدة لكلينا.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1198