التعليم إلى الوراء بخطى ثابتة: ما الجديد في عام 2024؟

التعليم إلى الوراء بخطى ثابتة: ما الجديد في عام 2024؟

يواجه التعليم في سورية اليوم واقعاً متردياً وغير مسبوقاً إن كان على صعيد الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للمدارس، والنزوح الداخلي الواسع، بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي، ما أدى إلى تراجع مستوى التعليم وتفاقم نسب التسرب المدرسي بشكلٍ كبير. في هذا الصدد، أصدر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA) تقريره السنوي بعنوان «نظرة عامة على الاحتياجات الإنسانية لعام 2024»، والذي ركز على مستجدات الوضع في سورية عموماً خلال عام 2024، وقام بتحديث أرقامه التي نشرها في بداية العام. في هذا العدد، نسلط الضوء على حالة قطاع التعليم في البلاد والأضرار التي تعرض لها بشكل عام.

وفقاً للتقرير، فإن ما يصل إلى 7.246 مليون إنسان، بين أطفال طلاب وغير طلاب ومدرسين يحتاجون إلى المساعدة. والرقم يتوزع على 6.9 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً (46% منهم إناث، و54% منهم ذكور)، ونحو 230 ألف موظف في مجال التعليم (48% منهم إناث، و52% منهم ذكور). ونحو 10% من إجمالي المحتاجين هم من الأشخاص ذوي الإعاقة، ما يسلط الضوء على الحاجة المتنامية إلى التعليم المتخصص الموجّه لهذه الشريحة.

ملايين الأطفال خارج المدارس.. وهناك من سيتسرب أكثر

ثمة اليوم أكثر من 2.4 مليون طفل خارج المدرسة (46% منهم إناث و 54% منهم ذكور)، وهنالك أكثر من مليون طفل معرضين لخطر التسرب مجدداً.
تشمل المحافظات التي لديها أعلى النسب من الأطفال خارج المدارس محافظات إدلب (69%)، والرقة (48%)، ودمشق (46%)، وريف دمشق (40%)، وحلب (38%).
ولا بد من الإشارة إلى أن الأطفال خارج المدارس يتعرضون اليوم في سورية إلى مجموعة واسعة من المخاطر، ابتداءً من العمل في قطاعات مرهقة تحتاج إلى بنية جسمانية قوية، وصولاً إلى استغلالهم في قطاعات الاقتصاد الأسود. وكلما طالت مدة بقاء الأطفال خارج المدارس، قلّت احتمالية عودتهم إليها.

كلمة السر في تراجع منظومة التعليم: الوضع الاقتصادي

في جميع أنحاء سورية، يعدُّ المحرك الرئيسي الذي يحدّ من حصول الأطفال على التعليم هو المحرك الاقتصادي، الذي لا يؤثر على الأطفال فقط، بل كذلك على الأسر والعاملين في مجال التعليم.
رغم أن «التعليم مجاني» شكلياً، إلا أن الصعوبات المالية تدفع الأسرة إلى سحب أطفالها من المدرسة لتقليل الإنفاق على التكلفة غير المباشرة للتعليم (مثل اللوازم المدرسية والنقل) واللجوء إلى استراتيجيات التكيف السلبية، مما يعرض الأطفال لمخاطر مثل التزويج المبكر وما يترتب عليه من تبعات.
كما أن بيئات التعلم لا تتمتع بأدنى المعايير المطلوبة، ذلك بسبب الاكتظاظ، ونقص الأثاث المدرسي واللوازم المدرسية، ومرافق المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية. ويؤثر نقص الكهرباء على إمدادات التعليم، حيث تفتقر المدارس إلى التدفئة والتبريد والإضاءة للعمل في دوامٍ متعدد.

آلاف المدارس متضررة.. وزلزال 2023 فاقم التدهور

قبل زلزال شباط 2023، كانت البنية التحتية التعليمية غير كافية بالأصل. أما اليوم، فهنالك ما يقدر بنحو 3,700 مدرسة بحاجة إلى إعادة التأهيل أو الإصلاح في عموم سورية.
وفي المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، تعرضت 890 مدرسة لأضرار دائمة. بالإضافة إلى ذلك، هنالك 470 مدرسة متضررة في منطقة الشمال الشرقي، و1054 مدرسة متضررة في شمال غرب البلاد. وينخفض توافر المدارس بشكل أكبر مع حدوث عمليات نزوح مفاجئة حيث يتم استخدام المدارس كملاجئ مؤقتة في بعض المناطق.

الأجور الهزيلة تدفع بالمعلمين المؤهلين خارجاً

تعاني سورية عموماً من انخفاض في توفر المعلمين المؤهلين، مما يؤثر على وصول الأطفال إلى الخدمات التعليمية واستبقائهم فيها. فارتفاع تكاليف النقل، إلى جانب عدم انتظام أجور المعلمين في بعض المناطق، يمنع المعلمين فعلياً من الوصول إلى المدارس، وهذا موجود بشكل خاص في المناطق الريفية. وعادة ما يجري تعيين معلمين مؤقتين للخدمة لحل الموضوع «ترقيعياً»، مما أثر على جودة الخدمات التعليمية عموماً.
وخلال عام 2023، تم استهداف 2753 مدرسة بهجمات عسكرية، مما أثر على سلامة الأطفال والمعلمين، وأدى إلى إبطاء العملية التعليمية وإيقاف تعليم الأطفال في بعض الأحيان. وتؤدي العمليات العسكرية، وبشكلٍ خاص الاستخدام غير التعليمي للمدارس، إلى تفاقم حرمان الأطفال من حقهم في التعليم، وخصوصاً في الشمال الغربي والشمال الشرقي من البلاد. أما الوضع في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة فهو على التأكيد ليس أفضل حالاً.

1183b

تذكير بأرقام الدعم: 86% منها «تبخرت» خلال الأزمة

إذا أخذنا عام 2022 كمثال، فقد خصصت الحكومة في موازنتها العامة إنفاقاً تقديرياً على خدمات التربية والتعليم بلغ ما يقارب 823 مليار ليرة سورية، لكن كالعادة، فإن أرقام الإنفاق التقديرية التي لا تنفك الحكومة تتحدث عن ارتفاعها بالليرة السورية لا تلبث أن يتبيّن مقدار تضاؤلها بمجرد حسابها بالدولار، فمن ينظر إلى أرقام الإنفاق التقديري التي «ارتفعت» من 85,6 مليار ليرة سورية في عام 2010، إلى 150,6 مليار ليرة في عام 2015، ثم إلى 823 مليار ليرة في موازنة العام 2022، قد يستنتج أن الإنفاق التقديري قد ارتفع فعلياً، لكن الأرقام ذاتها انخفضت بشكل متسارع من 1,7 مليار دولار في 2010، إلى 669 مليون دولار في 2015، وصولاً إلى مجرد 228 مليون دولار في 2022.
وبهذا المعنى، يمكن الاستنتاج أن حصة التربية والتعليم العالي من الإنفاق التقديري للحكومة في عام 2022 لا تتجاوز 13.4% من الحصة ذاتها في موازنة العام 2010. بكلام آخر، فإن ما يقارب تسعة أعشار الإنفاق الحكومي على التربية والتعليم (86.5%) قد تم سحبه منذ انفجار الأزمة في 2011.

1183c

ما هي حصة التعليم من الموازنة العامة للدولة؟

تشكل موازنة التعليم بشقيها التربية والتعليم العالي نسبة لا تتعدى 3.5% فقط من موازنة العام 2022. وهي نسبة استثنائية إذا ما قارنها مع السنوات السابقة، حيث مثّلت 6.7% من موازنة العام 2015، و7.0% من موازنة العام 2011.
وتعدُّ هذه النسبة استثنائية أيضاً ليس بالمقارنة مع السنوات السابقة فحسب، بل وكذلك إذا ما نظرنا إلى الوسطي العالمي الذي يشير إلى أن الحكومات حول العالم تخصَّص وسطياً نسبة تقارب 14% من موازناتها للإنفاق على قطاع التربية والتعليم.

1183a

كم تبلغ حصة الطفل السوري من دعم التعليم؟

وفق موازنة العام 2022، يبلغ الإنفاق التقديري على قطاع التربية قرابة 478 مليار ليرة سورية (478,180,440,000)، بينما يصل عدد الأطفال السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 5-18 إلى حوالي 6.6 مليون طفل (وفقاً لبيانات المكتب المركزي للإحصاء المنشورة في عام 2022).
ما يعني أن حصة الطفل السوري من موازنة التربية في 2022 بلغت 71,519 ليرة سورية سنوياً، أي ما يقارب 5,959 ليرة شهرياً، أي 1,6 دولار شهرياً (على سعر صرف 3605 خلال عام 2022)، وهو ما يمثّل هبوطاً حاداً، حيث كانت حصة الطفل في موازنة عام 2019 ما يقارب 10 دولارات شهرياً، والتي شكلت في حينه هبوطاً أيضاً عن الحصة ذاتها في موازنة العام 2010 حيث بلغت 25 دولار شهرياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1183