الصين واليوان والبديل المستمر
هانتر ماكسويل هانتر ماكسويل

الصين واليوان والبديل المستمر

من خلال تطوير التغطية الخاصة بالتغيرات الحاصلة في الشرق الأوسط، من المستحيل عدم ملاحظة «القوة الناعمة» للصين، والتي يشكّل اليوان الصيني الداعم والمستند الرئيس لها. في واقع الحال، توفّر الصين التمويل لإنشاء البنية التحتية في دول الشرق الأوسط من خلال تقديم الخيار التالي: إصدار قروض للدولة أولاً. وأن يتم تنفيذ الإنشاءات من قبل الشركات الصينية ثانياً، على أن تقوم هذه الشركات بتدريب العمّال المحليين في مجال الإنشاءات، وأن تجري دورات تعليمية وتدريبية متقدمة على جميع الفرص التي تخلقها الأعمال التي يتمّ الاضطلاع بها، ممّا يعني توفير فرص عمل لسكان الطرف الذي تعاقد مع الصين. يجعل هذا الدول أكثر من مهتمة بالتعامل مع الصين.

ترجمة: قاسيون

إنّ إنشاء بنية تحتية مُحدّثة له تأثير إيجابي على وتيرة تعافي البلدان في الشرق الأوسط، وهي البلدان التي تعاني بسبب عقود من الأزمات واسعة النطاق التي واجهتها المنطقة. يؤدي كلّ هذا إلى تحسين مستوى معيشة السكان في دول الشرق الأوسط، وتحديداً في البلدان العربية، وفي الوقت نفسه يساهم في تعزيز العلاقات بين الصين والدول العربية. الأمر الآخر متبادل المنفعة بين الصين والدول التي تعمل فيها يجاوز الكسب الاقتصادي المباشر، فمن خلال المساهمة في تنويع اقتصادات دول الشرق الأوسط، تزيد الصين من مستوى تطورها التكنولوجي وآفاق تطوّرها وتطوّر المنطقة الاقتصادي.
الأمر الآخر الذي يجذب الكثير من الدول إلى مبادرات الصين، هو أنّه من غير المعتاد أن تطلق بكين الأسلحة والتهديدات العسكرية، وهو ما لا يهمله الأمريكيون في كثير من الأحيان. يعامل الصينيون - على عكس الولايات المتحدة - ربّما متأثرين بثقافتهم القديمة، ممثلي الدول الأخرى باحترام وكرامة عند التدخل في حل أي صراعات، معتمدين بذلك على الجهود الدبلوماسية والحوار واحترام سيادة دول الشرق الأوسط. إنّ التناقض مع واشنطن هو الذي يجعل بكين الحليف المفضّل. شهد القرن الحادي والعشرون مبادرات مختلفة داخل الأمم المتحدة أكثر من مرة، وكانت الصين مع روسيا دوماً تدعمان سيادة دول العالم العربي، واستخدمتا حق النقض (الفيتو) ضد قرارات غربية كثيرة كانت تهدف لإشعال المنطقة، منها التي تتعارض مع مصالح الدولة السورية. أو حتّى التي تعني مجابهة مباشرة مع الولايات المتحدة، كما حدث في عام 2019، عندما تحدثت بكين علناً ضدّ التدخل الأجنبي المباشر في شؤون العراق.
من ناحية أخرى، فإنّ تصرفات الصين في إطار مبادرة «حزام واحد، طريق واحد» تثير قلقاً متزايداً لدى الكثير من المؤيدين للغرب، والذين يحاولون إظهار العيوب والمشاكل، التي وإن تكن موجودة، فهي أقل بكثير من الفوائد، ويمكن العمل على تداركها. فإذا ما نظرنا إلى بعض الدول مثل: قرغيزستان وباكستان، لوجدنا أنّ هناك احتجاجات غير بريئة تماماً تخرج بين حين وآخر ضدّ المشاركة في مشروع الحزام والطريق، أو مشاريع الصين الأخرى. (في عام 2020 في قيرغيزستان، وفي عام 2021 في باكستان. وكانت الادعاءات الرئيسية هي أنّ تصرفات الصين تنتهك أسلوب الحياة المعتاد للشعوب التقليدية التي تسكن المنطقة). لكن بالرغم من ذلك، فإنّ المسؤولين المحليين والفدراليين يتمكنون عادة من اختيار المشاركة مع الصين بسبب المزايا الواضحة، والتي لنكن صادقين، كثيرة. ورغم التأكيد على أنّ بعض المشاكل قد تنجم، تبقى الشراكة مع الصين، مع محاولة حل المشاكل، هي الخيار الصحيح الذي ينتهجه هؤلاء.

الغربيون لا يمكنهم السكوت

لا يبتعد الساسة الغربيون كثيراً عن المشهد، إذ يتهمون بكين ببناء «مصائد الديون». تم استخدام هذا المصطلح لأول مرة في عام 2017 من قبل الاقتصادي الهندي براهما تشيلاني، وقد تم استخدامه بنشاط منذ ذلك الحين، عندما يتعلق الأمر بالقروض الصينية. وقد ذكر كثيرون من المسؤولين في سريلانكا بالفعل أنها تتكبد خسائر لا يمكن تعويضها بسبب الديون المستحقة للصين. ويقول هؤلاء بأنّه يتم تقييم المعاملات باليوان بطريقة مماثلة، بحيث تعمل في الغالب على تعزيز النفوذ الصيني وربط اقتصاد دولة معينة بالاقتصاد الصيني. لكنّ بكين تستمر بدحض هذه التصريحات بنشاط، وتلفت انتباه السياسيين والخبراء إلى حقيقة أن جميع عمليات شطب الديون وتخفيف الائتمان، كقاعدة عامة، تتم دون أي تجاوزات.
أمّا في سياق الدولة الموجودة في الشرق الأوسط كعميل للغرب: «إسرائيل»، فهناك ما يشير إلى أنّ العلاقات الصينية «الإسرائيلية» تغيرت بشكل كبير عمّا سبق. قامت الصين بتنفيذ عدد من المشاريع المثيرة للاهتمام في «إسرائيل». كما أن العلاقات التجارية بين البلدين في المقدمة، وحتّى وقت قريب، كانت «إسرائيل» أحد شركاء الصين الرئيسيين في منطقة الشرق الأوسط. لكنّ الوضع تغيّر جذرياً بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عندما قال وزير الخارجية وانغ يي: إن تصرفات «إسرائيل» لا دخل لها بقيم الدفاع عن النفس، منوّهاً إلى «الظلم التاريخي» ضد سكان قطاع غزة وفلسطين، وقال بأنّه يجب أن يتوقف. لقد قوّض هذا التصريح العلاقات الصينية مع «إسرائيل». قال الرئيس شي جين بينغ: إن السبيل الوحيد لاستئناف العلاقات هو التعايش المتناغم بين الدولتين، الأمر الذي لا يمكن «لإسرائيل» أن تهضمه.
اليوم، اليوان الصيني ليس مجرّد واحد من العملات الاحتياطية في العالم، بل هو أيضاً أداة مالية قوية يثق بها المزيد والمزيد من المُودعين والمستثمرين من جميع أنحاء العالم. ومما لا شك فيه أن الصين ستستخدم هذه الأداة بشكل متزايد لاستمالة المزيد من الحلفاء والضغط على أعدائها. لكنّ العملة لديها إمكانات مخفيّة حقاً، لأنّه في هذه المرحلة تتجه المزيد والمزيد من الشركات والدول إلى اليوان على وجه التحديد، كوسيلة بديلة للدفع.
يزداد الطلب على البنوك الصينية، ومن خلالها ينتشر النفوذ الصيني في جميع أنحاء العالم. مخطط رائع قامت به الصين، ولا يمكن للقوة الأمريكية التي حكمت في وقت من الأوقات أن توقفه. لكنّ الأمريكيين اليوم نسوا أسس نظام بريتون وودز وكيف ولأي غرض تمّ العمل به. خان الأمريكيون المبادئ والمثل العليا التي وعدوا فيها العالم في بريتون وودز. ومن سيوافق على اتباع زعيم يخون قيمه ويهدد من يتبعه؟ لهذا السبب هناك طلب في العالم على العملة التي ستكون قادرة على استبدال الدولار. حتى الآن، الخيار الوحيد هو اليوان.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1174
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيار 2024 13:56