وقف تمويل الأونروا «نكاية» بقرار محكمة العدل الدولية!
قضت محكمة العدل الدولية الأسبوع الماضي لصالح اتخاذ تدابير مؤقتة في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد «إسرائيل». وبعد أن وجدت أنّ خطر الإبادة الجماعية أمر معقول، أمرت المحكمة «إسرائيل» بالامتناع عن أنشطة الإبادة الجماعية، ومنع ارتكابها، ومعاقبة أولئك الذين يحرضون على الإبادة الجماعية.
ترجمة: قاسيون
الأهم من ذلك، أمرت المحكمة «إسرائيل» أيضاً باتخاذ إجراءات فورية وفعّالة لتمكينها من توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية، التي تشتدّ الحاجة إليها لمعالجة الظروف المعيشية المعاكسة، والتي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة. وبعد يومين فقط، وبينما كان الجميع لا يزال يتصارع مع الآثار المترتبة على هذا الحكم، أعلنت تسع دول مانحة رئيسية لـ «الأونروا»: وكالة الأمم المتحدة المكلفة بتقديم المساعدة والخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين، تعليق تمويلها للمنظمة. من بين هذه الدول: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وهولندا وسويسرا وفنلندا وأستراليا وكندا.
بينما كان هناك بعض الالتباس فيما يتعلق بالتدابير المؤقتة، خاصة وأنّ المحكمة لم تأمر بالتعليق الفوري للعمليات العسكرية التي تقوم بها «إسرائيل» في غزة، فإنّ أوضح إجراء اتخذته المحكمة- وهو ضمان الوصول إلى المساعدات الإنسانية الكافية- أصبح غير فعّال بسبب القرار. تذرّعت هذه الدول بأنّ قرارها مبني على ادعاءات بأن 12 موظفاً من أصل 13.000 موظف في الأونروا شاركوا في هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر ضد «إسرائيل».
وبينما كان العالم يتوقع من الحكومات الغربية أن تعيد النظر في دعمها المطلق «لإسرائيل» بعد حكم محكمة العدل الدولية، يبدو أنها قررت نقل موقفها ضدّ الشعب الفلسطيني الواقع تحت خطر الإبادة الجماعية إلى مستوى آخر. إنّ هذا القرار الصارخ، الذي يعرّض مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة للخطر، هو أمر صادم بشكل خاص بعد قرار محكمة العدل الدولية بتحسين الوضع الإنساني على الأرض.
الأونروا هي شريان الحياة لغزة، وهو قطّاع صغير مكتظ باللاجئين وأحفادهم. من بين إجمالي عدد السكان البالغ 2.3 مليون نسمة، هناك 1.7 مليون شخص من اللاجئين أو النازحين داخلياً. ويعتمد هؤلاء الأشخاص بشكل كبير على مساعدات الأونروا وخدماتها. يتعرض جميع سكان غزة تقريباً الآن لخطر المجاعة والطاعون، حيث دمّرت «إسرائيل» نظام الغذاء والرعاية الصحية على نطاق واسع.
وكانت الحرب «الإسرائيليّة» التي تلت هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر قد تسببت بالفعل في نزوح قسري واسع النطاق في غزة، ممّا أدّى إلى إرهاق عمليات الأونروا. علاوة على ذلك، قتلت «إسرائيل» ما لا يقل عن 152 من موظفي الأونروا، ناهيك عن الجرحى. في ديسمبر/كانون الأول، حذّر المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، في رسالة إلى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أن الوكالة على حافة الانهيار. وقال: «خلال 35 عاماً من العمل في حالات الطوارئ المعقدة، لم أكن أتوقّع أبداً أن أكتب مثل هذه الرسالة، متنبئاً بمقتل موظفين وانهيار الولاية التي من المتوقع مني الوفاء بها».
فصل آخر من الإبادة ضدّ الشعب الفلسطيني
لا تحظر اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 الإبادة الجماعية فحسب، بل تُلزم أيضاً جميع الدول الأطراف بمنع الإبادة الجماعية حسب قدرتها. حذّرت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في نهاية الأسبوع: «في اليوم التالي لاستنتاج محكمة العدل الدولية أنّ هناك أسباباً معقولة لقيام «إسرائيل» بارتكاب إبادة جماعية في غزة، قرّرت بعض الدول وقف تمويل الأونروا، مما أدّى إلى عقاب جماعي لملايين الفلسطينيين في أحلك الأوقات. وعلى الأرجح تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.
إن وقف تمويل المنظمة الأكثر أهميّة في القطاع، حيث وجدت محكمة العدل الدولية وجود خطر معقول للإبادة الجماعية، ليس فقط من خلال العمليات العسكرية «الإسرائيلية» ولكن أيضاً بسبب الوضع الإنساني الخطير الذي خلقته، لن يؤدي إلّا إلى تفاقم تدهور الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني. وهذا، إلى جانب الدعم المستمر «لإسرائيل»، بما في ذلك المساعدات العسكرية، من المحتمل أن يؤدي إلى الإبادة الجماعية في غزة، ولا يفعل شيئاً لمنعها.
من ناحية أخرى، يجب تذكير هذه الحكومات الغربية بأن الإبادة الجماعية، كما حددتها الاتفاقية، لا تنطوي فقط على قتل أعضاء مجموعة معينة، أو إلحاق أذى جسدي أو عقلي خطير بهم، بل تشمل أيضاً تعمّد فرض ظروف معيشية تهدف إلى تحقيقها، ومن ضمنها التدمير المادي، سواء كان كلياً أو جزئياً. وقد خلقت تصرفات «إسرائيل» بالفعل هذه الظروف المدمرة.
يبدو أن الحكومات الغربية لا تدرك حقيقة أن وقف تمويل الأونروا والسماح لها بالانهيار يجعل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين أقرب إلى بلدانها. إنّ المساهمة عن علم في ظروف الإبادة الجماعية في غزة تنطوي على خطر تواطؤ هذه الدول في الإبادة الجماعية. وهذه الحكومات الآن في طريقها للحصول على وضع الشريك. هناك خطر معقول بحدوث إبادة جماعية لمليوني شخص من جانب واحد، وهي حقيقة أثبتتها المحكمة الدولية.
على الرغم من اتخاذ الأونروا إجراءات فورية وجادة للتحقيق في هذه الادعاءات، إلا أنّ هذه الحكومات لم تتردد في تعريض حياة مليوني شخص للخطر، في حين أنّ ما يجب القيام به هو العكس تماماً: زيادة التعاون مع الأونروا. وقد تخضع مثل هذه الإجراءات للتدقيق أمام المحاكم الوطنية والدولية في الأيام القادمة.
دأبت «إسرائيل» على استهداف الأونروا، مؤكدة على الحجة التي لا أساس لها من الصحة بأن الوكالة هي ذراع الأمم المتحدة لحركة حماس. السبب في ذلك هو أنّ الأونروا مهمة للغاية ليس فقط في تقديم المساعدات الإنسانية، بل أيضاً في دعم مطالبات اللاجئين الفلسطينيين بحق العودة إلى وطنهم، وهو حق أعاقته «إسرائيل»لعقود من الزمن. وبما أن وضعية اللاجئ تنتقل عبر الأجيال بسبب التسجيل لدى الأونروا، فإنّ «إسرائيل» لن تتحرر أبداً من عبء مشكلة اللاجئين.
ويبدو أن هذه الحكومات الغربية غير مدركة لحقيقة وقف تمويل الأونروا والسماح لها بالانهيار، ومن المفارقات، أن ذلك يجعل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين أقرب إلى أوطانهم. تنص المادة 1/د من اتفاقية اللاجئين على ما يلي: «لا تنطبق هذه الاتفاقية على الأشخاص الذين يتلقون في الوقت الحاضر الحماية، أو المساعدة من أجهزة، أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين. وعندما تتوقف هذه الحماية أو المساعدة لأي سبب من الأسباب، دون أن يكون هناك موقف من هذا القبيل للأشخاص الذين تتم تسوية أوضاعهم نهائياً وفقاً للقرارات ذات الصلة، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، يحق لهؤلاء الأشخاص، بحكم الواقع، الاستفادة من فوائد هذه الاتفاقية».
تم إعداد هذا المقال خصيصاً للاجئين الفلسطينيين. إذا أصبحت الأونروا غير قادرة على الوفاء بتفويضها، فقد يطالب اللاجئون الفلسطينيون تلقائياً بالاعتراف بوضعهم كلاجئين في دول ثالثة، بما في ذلك الدول التي توقف تمويل الوكالة والتي تتزايد فيها المشاكل الداخلية بسبب قضايا اللاجئين.
لكن ربّما هذه الدول ليست خائفة، لأنّه من الواضح أنّ هذا لن يكون قابلاً للتطبيق إلا إذا نجا الفلسطينيون من حرب «إسرائيل» على غزة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1160