من ينقذ أوروبا من السقوط الاقتصادي؟ لا أحد!
أجرى الاقتصادي مايكل هدسون لقاء مطولاً تحدّث فيه عن الفرق بين روسيا يلتسين وروسيا اليوم، وكذلك عن السبب الحقيقي وراء إشعال الحرب في أوكرانيا، ومنع الأوروبيين والروس من الالتقاء وترك الولايات المتحدة خارجاً. إليكم سؤالين بارزين وردا في هذا اللقاء.
ترجمة: قاسيون
لماذا يحبّ الساسة الأمريكيون عصر يلتسين ويكرهون عصر بوتين؟
بالنسبة لهم كان عصر يلتسين هو الحلم الضائع، حيث كانت روسيا تحت حكم يلتسين تدعم كل روبل تصدره محلياً بحيازة الدولار الأميركي. بمعنى آخر، مقابل كل روبل أنشأته روسيا للإنفاق داخل اقتصادها، كان عليها أن تقترض دولاراً أمريكياً للاحتفاظ باحتياطياتها، وفي البداية، أخبرني المستثمرون، وأهل وول ستريت، أنهم كانوا يتقاضون رسوماً من روسيا بنسبة فائدة سنوية 100٪. لإعطاء روسيا الدولارات.
الحقيق،ة هي أنّ روسيا لم تكن بحاجة إلى الدولارات على الإطلاق لإنشاء أموالها المحلية. يمكنها فقط طباعة الأموال، وهذا بالضبط ما فعله البنك المركزي الروسي عندما حصل على الدولار، فقد طبع الأموال على أي حال. والفرق الوحيد هو أنها اقترضت الدولارات الأمريكية دون داعٍ، وسمحت للولايات المتحدة بالدخول وإقناع الفاسدين بتسجيل المصانع واحتياطيات النفط والمرافق الكهربائية وكل شيء باسمهم ثم بيعه. لكنّهم قضوا بالفعل على المدخرات الروسية من خلال ما يسمّى «العلاج بالصدمة». لذا، فإنّ الأشخاص الوحيدين الذين يمكن للكليبتوقراطيين «القادة السياسيون الفاسدون» أن يبيعوا لهم بعد تسجيل الشركات باسمهم هم المستثمرون الأمريكيون، وقد باعوا بأسعار منخفضة لدرجة أنه بين عامي 1994 و1996، كانت روسيا سوق الأوراق المالية الأكثر ربحية في العالم بأكمله. أراد الأمريكيون أن يتمكنوا من المجيء لنقل المواد الخام الروسية والقدرة الصناعية والأراضي الزراعية والموارد الطبيعية باسمهم وإزالتها من روسيا، ثمّ القفز من المركب الغارق.
إنها استراتيجية نجحت في دول العالم الثالث والجنوب العالمي على مدار الخمسين عاماً الماضية، واعتقدوا أن بإمكانهم القيام بذلك في روسيا. المشكلة أنّ الروس العاديين لم يفهموا الرأسمالية. لقد فهموا نوعاً من وجهة النظر الدعائية بأن الرأسمالية كانت تدور حول استغلال أصحاب العمل للعمّال وحسب، لكنّهم لم يفهموا أن رأسمالية التمويل كانت تدور حول البحث عن الريع: ريع الموارد الطبيعية وريع الأراضي، ولم يفهموا ما كان يمكن لروسيا أن تفعله. في الغرب وأمريكا وإنجلترا، 80٪ من الائتمان المصرفي للديون العامة هو ريع الرهن العقاري، بينما كانت روسيا خالية من كل هذا. وكان من الممكن أن تتحرر منه. لكن الأمريكيين أقنعوا روسيا بأن الطريق إلى الثراء هو طريق أمريكا، طريق محاكاة النيوليبرالية التي يدرسها الطلاب الأمريكيون في المدارس. ما لم يدركه الروس هو أن أثرياء الولايات المتحدة يصبحون أغنياء عن طريق خداع الدول الأخرى لتبني النيوليبرالية ليزدادوا ثراءً منها.
لماذا لم ترُكّع العقوبات الأمريكية الاقتصاد الروسي على ركبتيه؟
لم يكن هذا حقًا هو الغرض من العقوبات. لم تكن الحرب في أوكرانيا حرباً ضدّ روسيا. لقد كانت حرباً ضد أوروبا. كان لدى الولايات المتحدة كابوس يتمثّل في أن ألمانيا والدول الأوروبية الأخرى كانت في طريقها إلى الازدهار، وذلك من خلال زيادة التجارة والاستثمار مع روسيا.
كان لدى الألمان فكرة مثالية مفادها، أنهم سيصدّرون سياراتهم وصناعاتهم وغسالاتهم والسلع الاستهلاكية إلى روسيا بسعر صناعي ذي قيمة زائدة مرتفعة، وفي المقابل، ستحصل روسيا على المال لشراء هذه الصادرات الألمانية عن طريق بيع النفط والغاز بسعر منخفض جداً إلى ألمانيا. كان التدفق الدائري للمواد الخام والسلع الصناعية من شأنه أن يجعل أوروبا مزدهرة على نحو متزايد. لكن سيتم تقاسم ازدهارها مع روسيا وأوراسيا إلى جانب الصين، وستترك الولايات المتحدة وراءها. وهكذا، فإن العقوبات المفروضة على روسيا كانت محاولة أمريكا للقول: إننا سنصنع ستاراً حديدياً، وهذا الستار الحديدي سيمنعك من كسب المال مع روسيا. إذا كنت تريد أن تتاجر، فيجب أن تكون معنا.
لذا فبدلاً من شراء الغاز الطبيعي والنفط الروسي، ستعتمد على الغاز الطبيعي المسال الأمريكي ولو بثلاثة أضعاف السعر، وسيتعين عليك إنفاق 5 مليارات دولار لجعل الموانئ كبيرة بما يكفي لاستقبال سفن الحاويات التي تحمل الغاز الطبيعي المسال. ستكون لدينا القدرة على إيقاف تشغيل الغاز الخاص بك في أي وقت في حالة رغبتك في التصويت للاشتراكيين. يمكننا الحصول على السيطرة الكاملة عليك. كان الهدف من العقوبات المفروضة على روسيا هو مد حبل حول أوروبا لربطها بالاعتماد على اقتصاد الولايات المتحدة.
كان التأثير بالطبع هو إنهاء التصنيع الألماني، لأنه بدون الغاز الروسي والاعتماد على الغاز الأمريكي، لم تكن الصناعة الألمانية قادرة على المنافسة مع الصناعات الأخرى. لذا فقد خسرت منطقة اليورو وركعت، لأنه إذا نظرت إلى ميزان المدفوعات في أوروبا، فستجد أن ميزان المدفوعات كان مدعوماً إلى حد كبير بالصادرات الألمانية وبقيّة الصادرات الصناعية. وأحد الأسباب التي جعلت ألمانيا مهتمة جداً بالانضمام إلى منطقة اليورو هو أنه بدون ربط عملتك بالاقتصادات الفرنسية والإيطالية والهولندية وغيرها، كان المارك الألماني سيرتفع تماماً كما ارتفع الفرنك السويسري، وهذا من شأنه أن يضرّ بتسعير الصادرات الألمانية. لكن من خلال الارتباط ببقية أوروبا، فجنوب أوروبا يعاني من عجز في ميزان المدفوعات، بقي سعر صرف اليورو منخفضاً بالقدر الكافي حتى لا تخرج ألمانيا من السوق في ظل تحقيق فائض تجاري واستثماري كبير. لذا، كان التأثير فجأة هو حرمان ألمانيا من مصدر الطاقة، والطاقة هي في الواقع مصدر إنتاجية العمل. حسنًا، لقد منع ذلك ألمانيا من تحقيق فائض، وهذا يعني أن ميزان المدفوعات الأوروبي قد تم استنزافه في هذه العملية، والآن سيكون لديك يورو أوروبي ضعيف، وستظهر المزيد والمزيد من المشاكل.
كان سؤالك ما هو تأثير ذلك على روسيا؟ إن العقوبات المفروضة على أي دولة تؤدي دائماً إلى نتائج عكسية، لأنّ تأثير العقوبات يشبه إلى حد كبير إنشاء رسوم جمركية وقائية للدولة. عندما قالت أمريكا لدول البلطيق: توقفوا عن تصدير أجبانكم وطعامكم، ومحاصيلكم من الحبوب إلى روسيا، ماذا فعلت روسيا بدون الجبن، لم تبدأ بالاستدانة. قالوا: حسناً، سنبدأ صناعة الجبن الخاصة بنا. لم تعد روسيا تعتمد على ليتوانيا ودول البلطيق للحصول على الجبن.
على هذا، فإنّ تأثير العقوبات الذي لا يمكن أن يحبّه الساسة الأمريكيون هو جعل روسيا مستقلة عن منطقة اليورو، وأكثر اعتماداً على نفسها. ومن المؤكد أن ذلك عزز ميزان مدفوعاتها، وليس خسارتها. لذلك، خسرت روسيا بعض الدخل من تصدير النفط والغاز إلى أوروبا، لكنها لم تعد مضطرة إلى دفع رسوم استيراد المنتجات التي كانت تحصل عليها قبل العقوبات لأنها تنتجها في الداخل.
الآن، النيو ليبراليون الروس لا يخبرون شعبهم بهذا، لكنّ روسيا كانت بحاجة لمثل هذه الرسوم الوقائية التي كانت موجودة لدى الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر. أصبحت روسيا الآن أكثر استقلالية وأقوى بكثير، ولا تملك أمريكا أو أوروبا أيّ قوة لفرض أي عقوبات مؤثّرة على روسيا.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1151