شراكة الطاقة الروسية الصينية... والتعاون «ما بعد الهيمنة الأمريكية»

شراكة الطاقة الروسية الصينية... والتعاون «ما بعد الهيمنة الأمريكية»

في السنوات الأخيرة، لعبت شراكة الطاقة دوراً حاسما في التعاون التجاري والاقتصادي الصيني الروسي. حيث كانت الشراكة بين الصين وروسيا في صناعة النفط والغاز واحدة من أهم التطورات التي شهدها سوق الطاقة العالمية. ولا سيما أن توسع هذا التعاون على مدى السنوات القليلة الماضية دفع لأن تصبح الصين واحدة من أكبر مشتري النفط والغاز الروسي. الأمر الذي ساهم في تعزيز هذا القطاع بوصفه واحداً من القطاعات التي لطالما كان التفاعل فيها أكثر أهمية وأكثر فائدة وأكثر اتساعا للتعاون العملي بين الدولتين. 

وضع «البيان المشترك بين روسيا والصين» عام 1996 الأساس للتعاون الصيني الروسي في قطاع الطاقة، وتوسّع المجال تدريجياً ليشمل النفط والغاز والفحم والطاقة النووية. حيث تعد روسيا حالياً أكبر مصدر لواردات الصين من الطاقة، وثاني أكبر مصدر لواردات النفط الخام. كما أعلنت شركة غازبروم أنه في عام 2023، ستسجل صادرات الغاز الطبيعي اليومية لشركة غازبروم إلى الصين عبر خط أنابيب «قوة سيبيريا» رقماً قياسياً تاريخياً جديداً.


1114a


نمو غير مسبوق في الصادرات في 2023

بالإضافة إلى فوائده الاقتصادية، فإن التعاون بين الصين وروسيا في صناعة النفط والغاز له آثار سياسية كبيرة، خاصة في مواجهة العقوبات الغربية. حيث يؤشر إلى تعزيز العلاقات بين البلدين والتزامهما بالعمل معاً من أجل مصلحتهما المتبادلة.
وفقاً للإحصاءات الصادرة عن الإدارة العامة للجمارك الصينية في 20 كانون الثاني 2023، زادت روسيا صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى الصين في عام 2022 بنسبة 43.9% ليصل الإجمالي إلى 6.5 مليون طن، والنفط بنسبة 8.3% ليصل إلى 86.25 مليون طن. نتيجة لذلك، تكون تجارة الطاقة بين روسيا والصين قد نمت بنسبة 64% من الناحية النقدية، و10% من ناحية حجم الصادرات منذ بداية عام 2022.


1114c


جديد التعاون بين البلدين على صعيد النفط

صناعة النفط هي الأولوية القصوى للتعاون الصيني الروسي في مجال الطاقة. حيث أشار الرئيس التنفيذي لشركة روسنفت، إيغور سيتشين، إلى أن صادرات النفط الروسية إلى الصين في الفترة من كانون الثاني إلى تشرين الأول 2022 زادت بنسبة 9.5% على أساس سنوي إلى ما يقارب 72 مليون طن. وهذا يعادل حوالي 1.7 مليون برميل يومياً.
بالإضافة إلى ذلك، ولتلبية الطلب المتزايد في آسيا، تقوم الشركة بتطوير مشروع «نفط فوستوك الرئيسي»، حيث تعتزم الوصول إلى إنتاج 115 مليون طن سنوياً، أو حوالي 2.3 مليون برميل يومياً، بحلول عام 2033. وسينقل المشروع النفط على طول طريق بحر الشمال عبر مياه القطب الشمالي الروسية، الأمر الذي سيساهم في التقليل من وقت التسليم والتكاليف المترتبة على عملية النقل.
إلى جانب هذا المشروع النفطي، وقعت شركة البترول الوطنية الصينية وشركة روسنفت الروسية اتفاقية إضافية بشأن شراء وبيع النفط الخام. ووفقاً للاتفاقية، ستواصل روسيا توريد 100 مليون طن من النفط الخام إلى الصين عبر أراضي كازاخستان لمدة 10 سنوات. وفي الوقت نفسه، واعتباراً من كانون الثاني، استوردت شركة البترول الوطنية الصينية أكثر من 300 مليون طن من النفط الخام وأكثر من 15 متراً مكعباً من الغاز الطبيعي من روسيا عبر خط الأنابيب.
وامتدت هذه الشراكة أيضاً إلى قطاع البتروكيماويات. ففي عام 2019، اتفقت روسنفت الروسية وشركة الصين الوطنية للكيماويات على توسيع تعاونهما، مما سمح للبلدين بتنويع مصادر الطاقة لديهما، بهدفٍ معلن وهو تقليل اعتماد الدولتين على البلدان الأخرى لتلبية احتياجاتهما من الطاقة. وهو الأمر الذي عبر عنه مدير المركز الصيني لأبحاث اقتصاديات الطاقة في جامعة شيامن، لين بوتشيانغ، الذي أكد أن «التعاون في مجال النفط والغاز هو أكبر مجال للتعاون بين الصين وروسيا بسبب التكامل الهائل بين البلدين في قطاع الطاقة».


1114-3


النمو يطال تجارة الغاز بكل تفاصيلها

كذلك الأمر، يعدّ مجال الغاز أحد أكثر المجالات الواعدة لتوسيع التعاون الصيني الروسي في مجال الطاقة. حيث يعتبر خط الأنابيب مشروعاً استراتيجياً رئيسياً يساهم في شراكة الطاقة الصينية الروسية، والتي تم الاتفاق عليها والتأكيد عليها من قبل رئيسي البلدين.
وفقاً للإحصاءات، زادت إمدادات غاز خطوط الأنابيب من روسيا إلى الصين في الفترة من كانون الثاني إلى تشرين الثاني 2022 بنسبة 177% من حيث القيمة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وتقوم روسيا أيضاً بتوريد الغاز إلى الصين عبر خط أنابيب «قوة سيبيريا»، الذي بدأ التسليم الفعلي في عام 2019، وكذلك الغاز الطبيعي المسال.
في هذا الصدد، فإن الإعلان الأخير لشركة الطاقة الروسية غازبروم، بأنها وقعت عقداً جديداً طويل الأمد لتوريد الغاز الطبيعي إلى الصين، هو واحد من المؤشرات على العلاقة القوية المتزايدة بين البلدين في هذا القطاع. حيث ستوفر الصفقة، التي تبلغ قيمتها 400 مليار دولار، للصين 38 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً على مدى السنوات الثلاثين المقبلة. وهذا تطور هام يؤكد نجاح الشراكة بين الدولتين.
بالإضافة إلى ذلك، وقعت شركة البترول الوطنية الصينية وشركة غازبروم الروسية اتفاقية لشراء وبيع الغاز من الشرق الأقصى الروسي، وهي نتيجة مهمة أخرى للتعاون في تجارة الغاز. كما أن مشروع عبور نهر اليانغتسي تحت الماء لخط أنابيب الغاز الشرقي بين الصين وروسيا، وهو مشروع رئيسي في القسم الجنوبي من خط أنابيب الغاز الشرقي بين الصين وروسيا، يجري على قدم وساق (تؤكد التقديرات أن طول المشروع يبلغ حوالي 10,226 كيلومتراً، ويعد أطول نفق عبر نهر اليانغتسي قيد الإنشاء).


1114b


الشراكة الصينية الروسية تنعكس بالفائدة على أوراسيا

تتمثل إحدى الفوائد الرئيسية للشراكة بين روسيا والصين في زيادة أمن إمدادات الطاقة لكلا البلدين. تمتلك روسيا احتياطيات هائلة من النفط والغاز، في حين أن الصين لديها طلب كبير ومتزايد على الطاقة. ومن خلال الشراكة مع روسيا، تستطيع الصين ضمان إمدادات ثابتة من الطاقة لتغذية نموها الاقتصادي. ومن ناحية أخرى، يمكن لروسيا الاستفادة من شريك موثوق به لصادراتها من الطاقة، ما يساعد على تنويع أسواق الطاقة وتقليل الاعتماد على الأسواق الأخرى.
فائدة أخرى للشراكة هي تبادل التكنولوجيا والخبرات. حيث تتمتع روسيا بثروة من الخبرة في صناعة النفط والغاز، وتعد تقنياتها من بين الأكثر تقدماً في العالم. من ناحية أخرى، تتمتع الصين باقتصاد كبير وسريع النمو، ولديها الموارد اللازمة للاستثمار في التكنولوجيا والبحوث الجديدة. ومن خلال الشراكة معاً، يمكن للبلدين الاستفادة من نقاط القوة لدى بعضهما البعض وتحسين قدراتهما الخاصة.
وللشراكة تأثير إيجابي على المنطقة الأوراسية ككل. حيث تعد صناعة الطاقة مساهماً رئيسياً في النمو الاقتصادي والتنمية لهذه المنطقة، وقد ساعدت الشراكة بين روسيا والصين على تحفيز النشاط الاقتصادي بين الدول الموجودة في هذا الفضاء، الأمر الذي سيرفع من خلق فرص عمل، وزيادة التجارة، وتعزيز المستوى العام للمعيشة.
والتعاون بين روسيا والصين له أهمية قصوى، ليس فقط للبلدين نفسيهما ولكن للمنطقة الأوراسية بأكملها. هذا التعاون لديه القدرة على كسر الاحتكار الذي كانت الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية على المسرح العالمي لعقود من الزمان، وخلق نظام دولي عادل يأخذ بالحسبان مصالح الدول وشعوبها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1114