مدى تحمّل الاقتصادات لاستنزاف الأسلحة في أوكرانيا
بعد شهور من الثقة المزعومة والتفاؤل من كل القيادة العسكرية الغربية والأوكرانية العليا، بدأت الصدوع في الظهور. لكن هذه المرة لم تقتصر التصدعات على الميدان، بل على النقص في الذخائر والعتاد، وعدم قدرة الاقتصادات الغربية على تحمّل إنتاج ما يطلبه الأوكرانيون.
ترجمة: قاسيون
خرج القائد العام للقوات الأوكرانية فاليري زالوجني في لقاء مع مجلة الإيكونومست المعنية بالشؤون الاقتصادية، ووضح حاجة أوكرانيا الماسة لأسلحة إضافية، وعواقب عدم استلامها. دار النقاش حول الحاجة لجميع أنواع الأسلحة التي تستنزف الموارد: بدءاً من صواريخ الدفاع الجوي والدبابات والعربات المدرعة وقطع المدفعية وقذائف المدفعية ذاتها، أي جميع الأشياء التي يعترف الغرب وأوكرانيا بأنّ فيها نقصاً حاداً في المعروض، وربّما لا يمكن توفيره في أي وقت قريب في المستقبل القريب أو المتوسط.
في عام 2019 نشرت مؤسسة «راند» الأمريكية ورقة بحثية بعنوان «توسيع روسيا» والتي أوصت صانعي السياسة الأمريكيين بتقديم مساعدات قاتلة ثقيلة لأوكرانيا، على أمل أن توسّع أعمالها العدائية في شرق أوكرانيا «وتزيد التكاليف على روسيا، سواء تكاليف الدم أو المال، للسيطرة على منطقة دونباس».
كان التقرير يأمل في أنّ الخسائر الروسية بالمعدات والأرواح في دونباس ستكرر التكاليف التي تكبدها الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. في الواقع، وبينما يواجه الاتحاد الروسي تكاليف متزايدة بالفعل بسبب الحرب في أوكرانيا، يمكن القول بسهولة بأنّ الولايات المتحدة وبقية حلف شمال الأطلسي– وأوكرانيا نفسها– تعاني على الأقل بالقدر ذاته إن لم يكن أكثر.
في الحقيقة، الأكثر أهمية هو ربط مقدار الخسارة من الجانبين في الصراع بقدرتهما على تجديد القوى العاملة والمعدات، وتحميل تكاليف ذلك بينما يستمر القتال. بعد ما يقرب من عام على اندلاع القتال، من الواضح أنّ المخزونات في روسيا كانت متوفرة لهذا النوع من الصراع العسكري الطويل والمكثف والواسع النطاق، بينما لم تكن أوكرانيا ورعاتها الغربيين بهذا الاستعداد.
شارك الجنرال الأوكراني في لقائه مع مجلّة الإيكونومست «قائمة أمنيات» بالأسلحة التي ادعى أنّه بحاجة إليها من أجل استعادة حدود 23 شباط 2022. تضمن القائمة 300 دبابة و600-700 مركبة قتال مشاة و500 مدفع هاوتزر. لكن الاقتصادات الغربية ومخزونات التسليح في دول الناتو لا يمكنها توفير هذه القائمة لأوكرانيا حتّى لو رغبت بذلك.
لقد جاءت قائمة الأمنيات الأوكرانية في أعقاب إنفاق أوكرانيا لاحتياطي ضخم يتكون من الأسلحة والمركبات والذخيرة التي نقلها الغرب مجتمعاً إلى أوكرانيا، قبل ما يسمى بهجمات خاركوف وخيرسون. علاوة على خسارة عدد من الألوية من الرجال، فقد الأوكرانيون كميات هائلة من المعدات مع انسحاب القوات البرية الروسية، وبدلاً من ذلك تم استخدام أسلحة بعيدة المدى لضرب القوات الأوكرانية من وراء دفاعات جيدة الإعداد.
جاءت النقاط السياسية المؤقتة التي اكتسبتها هجمات أوكرانيا من خلال الاستيلاء على الأراضي على حساب إنفاق الغالبية العظمى، مما يمكن أن يتحمل الغرب إنفاقه لنقل المزيد من العتاد والذخيرة لأوكرانيا.
في مقال نشر في صحيفة نيويورك تايمز في تشرين الثاني بعنوان: «تدافع الولايات المتحدة والناتو لتسليح أوكرانيا وإعادة ملء ترساناتهما الخاصة»، تمّ الاعتراف بعدم قدرة المخزونات العسكرية الغربية على احتمال متطلبات إدامة الحرب في أوكرانيا، وعدم قدرة الاقتصادات الغربية على تحمّل تجديد هذه المخزونات. جاء في الصحيفة: «قال مسؤول كبير في الناتو، بأنّ الأوكرانيين كانوا يطلقون في الصيف الماضي في منطقة دونباس ما بين 6 إلى 7 آلاف طلقة مدفعية يومياً، بينما كان الروس يطلقون 40 إلى 50 ألف طلقة يومياً. بالمقارنة، تنتج الولايات المتحدة 15 ألف طلقة مدفعية في الشهر فقط، لذلك يسعى الغرب للعثور على معدات وذخيرة نادرة من الحقبة السوفييتية، يمكن لأوكرانيا استخدامها الآن، بما في ذلك قذائف مدفعية دبابات تي.72 من العيار السوفييتي، وصواريخ الدفاع الجوي اس-300».
بينما يريد الجنرال الأوكراني 300 دبابة، فقد تمكنت الولايات المتحدة من تجميع 90 دبابة فقط من طراز تي.72 يجب أن يتمّ تجديدها قبل زجها في القتال. أمّا بالنسبة لمدافع الهاوتزر الـ 500 التي يريدها الجنرال، فهي غير موجودة في مستودعات الناتو، ولكن حتّى لو وجدت فإنّ طلقات 155م.م التي تحتاجها للإطلاق تعاني نقصاً في المعروض. إنّ ما ذكرته النيويورك تايمز عن الفارق بين ما أطلقه الروس من طلقات مدفعية وما أطلقه الأوكران، يُظهر الهوّة بين مخازين الجيش الروسي والمخازين التي تمكنت دول الغرب مجتمعة تأمينها.
تحضير مسبق
في هذا الوقت، لا يبدو أنّ الاستعداد العسكري والاقتصادي الروسي لتدعيم الجبهة وكأنه يعاني مثلما يعاني العدو. فإذا أغفلنا التدعيم البشري للجبهة الروسية بـ 300 ألف جندي، والذي يوسع القدرات القتالية للروس، هناك تدفق ثابت للأسلحة الجديدة إلى الجبهة. أفاد تقرير حديث، بأنّه قد تمّ تسليم ما يصل إلى 200 دبابة قتالية من طراز تي.90 محدثة إلى مقدمة الجبهة.
في الوقت الذي ناقشت فيه النيويورك تايمز التناقص المستمر للأسلحة، وعدم القدرة على تعويضها على الجانب الأوكراني، فقد نقلت عن مصدرها في الناتو بأنّ روسيا تصنع ما لا يقل عن 40 صاروخ كروز شهرياً، رغم أنّه من المرجح أن يكون العدد أعلى من ذلك بكثير.
على المقلب الآخر، لا تزال أرقام الإنتاج عبر المجمع الصناعي العسكري الضخم المملوك للدولة الروسية بعيدة المنال، ولكن استناداً إلى كيفية إنشاء مخزونات روسيا خصيصاً للصراع العسكري واسع النطاق والمكثف والممتد، وكيف يتمّ أيضاً تكوين الجيش الروسي لإجراء مثل هذا الصراع العسكري، من المرجح للغاية أنّه تمّ إجراء استعدادات مكثفة أيضاً قبل سنوات من إنشاء المجمع الصناعي العسكري الروسي، لإنتاج ما هو ضروري لمثل هذا الصراع العسكري. حتّى طائرات درونز غيران.2 الكاميكازية بعيدة المدى، لا تزال تصل إلى الجبهة، وتنفذ المهام رغم ادعاء المحللين الغربيين لنفاذ المخزون الروسي منها.
بالنسبة للأمريكيين، لا توجد أيّة خطط لمشتريات حالية تؤثر على دعم الأوكرانيين طويل الأجل، ولا توجد أيّة خطط تجري مناقشتها. في تقرير منشور من مؤسسة الأبحاث العسكرية الأمريكية «بريكنغ ديفنس»، ذكر أنّ عدد قذائف المدفعية التي سيتم الحصول عليها من خلال عملية شراء متوزعة على عدة أعوام هي فقط 864 ألف، وهو ما تستهلكه أوكرانيا في أقلّ من نصف عام.
إنّ قدرة المخزونات العسكرية والقدرة الاقتصادية على تحمّل إنتاج المطلوب تشي بأنّ الولايات المتحدة والناتو ليست لديهم خطّة لحرب طويلة الأمد، وأنّهم يعلقون أملهم على أن روسيا ستنفذ من الذخيرة قبل نفاذ الكميات الأوكرانية المتناقصة أخيراً.
لكنّ هذا الأمل يتزعزع في كلّ مرة يظهر فيها بأنّ مجمّع الصناعات العسكرية الروسي قد أعدّ العدّة في وقت سابق، وفي كلّ مرة يضرب فيها صاروخ كروز روسي جديد أو طائرة بدون طيار البنية التحتية الأوكرانية، أو في كلّ مرة يتم إدخال دبابة تي.90 جديدة إلى الجبهة. يبدو أنّ هدف نزع السلاح من أوكرانيا الذي يعلن الروس عنه، سيساعدهم فيه الغرب مجبرين بشكل أو بآخر.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1103