القهر السوري: أقل أجور وأعلى أسعار في الإقليم!

القهر السوري: أقل أجور وأعلى أسعار في الإقليم!

لا يكاد يختلف اثنان على أن منظومة الأجور في سورية هي في أسوأ حالاتها على الإطلاق، حيث تآكلت القدرة الشرائية لهذه الأجوراً مع مرور السنوات إلى حد لم يعد من الممكن عنده الحديث أصلاً عن أن الدولة تدفع أجور حقيقية تكفي لسد الاحتياجات الأساسية للأسر. لكن فوق ذلك، يتحمل المواطنون في البلاد عبء أسعار السلع المرتفعة المنفلتة من أية ضوابط، حيث يدفع المواطن السوري الذي يقبض أخفض أجر في الإقليم أسعاراً للسلع الأساسية أعلى من الدول المجاورة ومن الوسطي العالمي لهذه الأسعار.

كلما اشتدت الأسعار وازداد وضعها سوءاً يخرج المسؤولون السوريون ليكررون على أسماع الناس حجة العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد. وبالطبع، أثّرت العقوبات سلباً على معيشة المواطنين وحياتهم، لكن السؤال الذي يطرحه كثيرون اليوم: هل يمكن ردّ الانفلات الجنوني للأسعار في سورية إلى العقوبات الاقتصادية فحسب؟ أم أنه توجد أسباب أخرى تتعلق بمصلحة الناهبين الكبار في البلاد المتربحين من تحويل الاقتصاد السوري إلى اقتصاد استيراد قائم على تصفية الإنتاج الوطني واستبداله بمنتجات مستوردة عبر وسطاء. ثم إذا كان الاستيراد هو السبب بارتفاع أسعار السلع، ألا يجب أن تكون الأسعار في سورية قريبة من الأسعار العالمية؟ فلماذا تصل في حالات عديدة لتتجاوز الأسعار العالمية بشكلٍ كبير؟


1099c


الأجر السوري أخفض أجر في الإقليم

في البداية، لا بد من التأكيد على فكرة أن الحد الأدنى للأجور في سورية يشكل مفارقة كبيرة غير مسبوقة، وهو أخفض حد أدنى للأجور على مستوى الإقليم: الحد الأدنى للأجور في الأردن هو 260 ديناراً (ما يعادل 366 دولار)، وفي العراق 350000 دينار (ما يعادل 308 دولار)، وفي تركيا 5500 ليرة (ما يعادل 296 دولار)، وفي مصر 3000 جنيه (ما يعادل 120 دولار)، وحتى في لبنان المجاورة التي تعاني من أسوأ انهيار مالي واقتصادي واسع النطاق في العالم، فإن الحد الأدنى للأجور فيها هو 2,600,000 ليرة (ما يعادل 64,5 دولار)، أما في سورية فإن الحد الأدنى للأجور هو أقل من 93,000 ليرة (أي أقل من 16,6 دولار). وبأخذ وسطي الحد الأدنى للأجور في الإقليم، والبالغ 253,4 دولار، بعين الاعتبار، يتضح أن الحد الأدنى للأجور في سورية لا يعادل سوى 6.5% من وسطي الحد الأدنى للأجور في الإقليم.
وبعيداً عن تقويم الحد الأدنى للأجور بالدولار، نجد أن معيار الذهب لا يغير الكثير من سوء الوضع السوري. حيث وللمقارنة، يستطيع الحد الأدنى للأجور في الأردن شراء 7.3 غرام ذهب غيار 21، بينما يصل الرقم في العراق إلى 6.6 غرام، وفي تركيا 5.9 غرام، وفي مصر 2.4 غرام، وفي لبنان 1.2 غرام، أما في سورية فإنه لا يتجاوز 0.3 غرام!
وبالتأكيد، لا يعكس رقم الحد الأدنى للأجور، سواء بالدولار أو بالذهب، القدرة الشرائية للأجر، فعلى سبيل المثال، القدرة الشرائية للأجور في تركيا أعلى منها في الأردن والعراق، وذلك بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية في تلك الأخيرة. لهذا، سنلقي نظرة على التباين في أسعار بعض السلع في أسواق هذه الدول، لنؤكد على استثنائية سورية في هذا المجال، حيث تفوق جميع هذه الدول في الأسعار وبنسب عالية، لا يماثلها سوى لبنان في بعض السلع.


1099b


السكر: من الآخر «لا تحليها زيادة»!

ترتفع أسعار السكر في سورية بشكلٍ متواصل تحت حجج تغيّر السعر العالمي للمادة، ولا تجد الحكومة طريقة للتعامل مع المسألة سوى إطلاق حملة «لا تحليها زيادة» في إشارة إلى ضرورة تقنين المادة!
ووصل سعر الكيلو الواحد في السوق إلى ما يقارب 1.06 دولار، وهو سعر أعلى من مثيله في لبنان (0,8 دولار) والعراق (0.8 دولار) وتركيا (0.7 دولار) والأردن (0.7 دولار) ومصر (0.6 دولار).
وبالأخذ بالاعتبار أن وسطي سعر كيلو السكر عالمياً يبلغ 0.4 دولار، فإن السعر في سورية يزيد بأكثر من الضعف، ليمثل 265% من الوسطي العالمي. وهو أمر لا يمكن تبريره بارتفاع الأسعار عالمياً، حيث من المعروف أن تكلفة استيراد الطن الواحد من السكر المكرر إلى سورية (بعد احتساب تكاليف جميع معوقات عملية الاستيراد بسبب العقوبات وغيرها) تبلغ قرابة 600 دولار أمريكي، وبالتالي فإن تكلفة الكيلو الواحد تصل إلى ما يقارب 0.6 دولار، فلماذا يرتفع السعر بمقدار 0.46 دولار ليصل إلى 1.06؟ الحقيقة أن استيراد السكر هو واحد من مواضع الربح الكبير في البلاد، ويخضع لاحتكار عالي المستوى، حيث يستفيد محتكرو استيراد السكر من التمويل الحكومي لمستورداتهم بسعر الدولار وفقاً لأسعار الصرف الرسمية، ويبيعونه للموزعين الرئيسيين بحسب سعر الدولار في السوق السوداء، وما بين العمليتين مرابح ضخمة تذهب لجيوب الكبار.

الفروج في سورية: 141% مقارنة بالسعر العالمي

تشكل أسعار الفروج في سورية مفارقة أخرى يجب التوقف عندها طويلاً. حيث وصل سعر الفروج النيئ إلى ما يقارب 4.8 دولار، مع العلم أن سعره في العراق لا يتجاوز 3.5 دولار، وفي تركيا 3.3 دولار وفي مصر 3.5 دولار وفي الأردن 2.3 دولار، والدولة الوحيدة القريبة من السعر في سورية هي لبنان حيث يصل سعره هناك إلى 4.5 دولار.
وبالأخذ بعين الاعتبار أن وسطي سعر الفروج النيئ إقليمياً هو 3.4 دولار فإن السعر في سورية يشكل 141% من هذا الوسطي. ذلك بالرغم من أن قطاع الدواجن في سورية كان واحداً من القطاعات الواعدة التي يعوّل على تطويرها ودفعها للتقدم.
وارتفاع السعر في سورية يقوده بشكلٍ أساسي ارتفاع مدخلات عملية الإنتاج، وبشكلٍ خاص تكاليف التدفئة والأعلاف، فضلاً عن نقص كميات فول الصويا اللازم للدجاج البياض وللفروج، ووصول سعر الطن منه إلى حوالي 5 ملايين ونصف.

الزيت النباتي: سورية الأغلى بشكلٍ مطلق

على النحو ذاته، تعتبر أسعار الزيت النباتي في سورية نموذجاً عن الارتفاعات في البلاد. حيث وصل سعر الليتر الواحد من الزيت النباتي عباد الشمس إلى حوالي 3 دولارات، بينما السعر في لبنان 2.7 دولار، وفي الأردن 2.2 دولار وفي تركيا 2 دولار، وفي العراق 1.8 دولار، بينما في مصر لا يتجاوز 1.7 دولار.
وبالاعتماد على وسطي سعر ليتر الزيت النباتي عباد الشمس في الإقليم، والبالغ 2,08 دولار، فإن السعر في سورية يشكل 144% من هذا الوسطي. وفي ظل ارتفاع أسعار الزيت النباتي عباد الشمس يضطر كثير من الناس إلى اعتماد زيت النخيل المنتشر بكثرة رغم أضراره المثبتة من جهة ارتفاع مخاطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين وارتفاع الكوليسترول في الدم.


1099s


ارتفاع الأسعار: هل حقاً ليس بيد الحكومة حيلة؟

لا يكاد يُذكر موضوع ارتفاع الأسعار في البلاد، إلا وتتأهب الحكومة لتبرير هذا الارتفاع متحدثة عن ظروف تراجع الإنتاج وارتفاع تكاليف الاستيراد، وكأنه ينبغي التسليم للأمر الواقع، واعتبار أن الحكومة لا تملك أية أداة من شأنها أن تساهم في تخفيض الأسعار. وهذا غير صحيح، فالحكومة لديها قائمة طويلة من الخطوات القادرة على اتخاذها لتأمين انخفاض كبير في أسعار السلع الأساسية، منها أولاً وقبل كل شيء دفع الصناعة المحلية ودعمها، بما يساهم في تقليص فاتورة المستوردات والإبقاء فقط على ما لا يمكن إنتاجه محلياً.
وثانياً الإشراف المباشر على استيراد الضروريات من الدول الصديقة، دون اللجوء للوساطة والسمسرة التي يجري دفع ثمنها في نهاية المطاف من جيوب الشعب السوري، ثم تفعيل كل أشكال ضبط ومراقبة الأسعار في السوق، بحيث لا تبقى مهمة وزارة التجارة الداخلية محصورة في تنظيم الضبوط التموينية بحق الصغار الذين من السهل أن تطالهم المخالفات.
المسألة - خلافاً للطرح الرسمي- لا تنحصر بملاحقة التجار الصغار «ضعاف النفوس» الذين يرفعون أسعار البيع بالمفرق، بل تبدأ فعلياً بقطع أسباب الاستيراد أساساً ومن ثم ضبطه، أي وضع حد لكبار المتنفذين المسيطرين على حركة الاستيراد والمتربحين منها على حساب الشعب السوري الذي يترنح تحت وطأة الفجوة المتزايدة كل يوم بين الأجور والأسعار.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1099