ارتفاع الأسعار لا علاقة له بارتفاع التكاليف
يشرح هال سنغر، اختصاصي الاقتصاد الجزئي والتسعير المتقدم في كليّة الأعمال في جامعة جورج تاون، في لقاء معه، بأنّ الشركات والأعمال تستغل التضخم لزيادة الأسعار وتحقيق أرباح أكبر، متجاوزة التعويض عن زيادة التكاليف. وأنّه كلّما زاد تركّز الأعمال والصناعات في يد قلّة، زاد رفع الأسعار حجماً وسرعة.
ترجمة: قاسيون
- مع استمرار التضخم والقلق منه، نسمع الكثير من الناس في الإعلام يلقون باللوم على زيادة الأجور للعمال. ما رأيك؟
برأيي، أنّه في الاقتصاد الحالي لا تدخل الأجور في حسابات الشركات عند التسعير. الفكرة أنّه ضمن الواقع الاقتصادي الحالي، مهمة التسعير لدى «الشركات الفائقة» وما يسمّى «شبكة الاقتصاد» هي تحقيق أقصى حدّ من الإيرادات والأرباح. في هذه الحالات فالتكاليف مثل: أجور العمّال ليست سوى أمراً ثانوياً.
كمثال: لنفكر بشركة طيران تضع الأسعار على رحلات عابرة للبلاد. هل يأخذون في حسبانهم رواتب المضيفين عند وضع المعدلات؟ على الأرجح لا. ماذا عن شركات الصناعات الصيدلانية، هل يأخذون أجور الكيميائيين لديهم بالحسبان؟ على الأرجح لا أيضاً. هناك انفصام بين التسعير والأجور في العديد من قطاعات الاقتصاد، لا سيما تلك التي يتفشى فيها التضخم. يمكنني أن أعطي عدداً لا محدوداً من الأمثلة، هل يأخذ فندق كبير في حسبانه أجور عمّال النظافة لديه عندما يحدد الأسعار؟ ليس من المرجح أن يفعل ذلك.
الاعتبار الرئيسي هنا، هو تعظيم الإيرادات. يلقون نظرة على منحنى الطلب، فالشيء الوحيد الذي يهم في هذه الحسبة هو ما يسميه الاقتصاديون «اعتبارات مرونة جانب الطلب». بكلمات أخرى: إلى أيّ مدى يمكنك الإفلات في رفع الأسعار بالاعتماد على الطلب، هذا هو المهم وليس التكاليف.
من الأشياء الهامة التي حدثت في الاقتصاد الحالي، أنّ قوّة العمّال قد هُدمت بشكل شبه كلي. يعترف أغلب الاقتصاديين بذلك، بمن فيهم الموجودون في بنك الاحتياط الفدرالي. أدّى فقدانهم للقوّة إلى انهيار العلاقة التاريخية بين البطالة والتضخم. يسميه الاقتصاديون «تسطيح منحنى فيليبس»، ويعني هذا، أنّه سيكون من الصعب للغاية، ناهيك عن كونه مؤلماً جداً، وقف التضخم من خلال استهداف طاقاتنا في سوق العمل. وطالما أنّ العلاقة بين الأجور والتسعير قد فُصمت عبر مزيج من الشركات الفائقة وتأثير شبكة الاقتصاد والاحتكارات، فتوظيف مثل هذه السياسة لن ينفع. فلننظر إلى التضخم الذي لا يزال منتشراً اليوم رغم رفع معدلات الفائدة. تستمرّ معاناة العمّال مع توقّف الشركات عن التوظيف، أو تسريح الموجودين لديها، ولكن نشهد عدم نجاح هذه السياسة في إيقاف التضخم.
- ماذا عن الخطاب الاقتصادي السائد إذاً؟
يحاول الاقتصاديون النيوليبراليون أن يُظهروا بأنّ الشركات التي تحدد الأسعار لا تتحمّل أيّ ذنب بشأن التضخم، وبدلاً من ذلك تقدّم العمّال ككبش فداء، والمستهلكين كمشكلة. الحقيقة أنّ علينا أن ننظر إلى مصدر التمويل عند دراسة قرارات التسعير، فمن غير الواقعي ترك الشركات تفلت بفعلها.
- هل حُزم التحفيز هي الملوم حقاً؟
سمعت بذلك، ولا أوافق عليه. كانت حُزم التحفيز عبارة عن دفعة إجمالية قدرها 1400 دولار صُرفت في 2021، ومن المرجح أنّها أُنفقت في 2021. لذا ففكرة أنّ لها تأثيراً قائماً تبدو غير معقولة في 2022 الذي اقتربنا من نهايته. كما أنّ الإدارة الأمريكية الحالية لم تبتكر الأمر، بل استمرّت بصرف الحُزم التي بدأتها الإدارة السابقة، ولهذا من غير المنطقي ربط حُزم التحفيز في 2021 بالتضخم الذي نشهده اليوم.
- عندما ترفع الشركات والأعمال الأسعار اليوم، تدعي بأنّها تقوم ببساطة بتمرير ارتفاع التكاليف إلى المستهلكين. لكنّك تقول بأنّ الملامة تقع على الشركات التي تستغلّ التضخم لتحقيق قدر أكبر من الأرباح. ما هو دليلك؟
لو أنّ الشركات تقوم فقط بتمرير ارتفاع التكاليف، لماذا إذاً نشهد زيادة في أرباحها؟ الأرباح الشركاتية اليوم عند مستوى قياسي. في الحقيقة، لست متأكداً إن كان لديهم أساساً أيّة زيادة معتبرة في التكاليف، فالأسعار ترتفع بشكل أسرع بكثير من التكاليف، ولهذا أرفض هذا النوع من الاختزال.
حتّى أكون دقيقاً، أظنّ بأنّ الكهرباء هي السوق التي يجب أن يركز الناس عليها اليوم، إضافة لسوقي الإيجارات والغذاء. هؤلاء هم المساهمون الأكبر في التضخم. من الصعب أن نصدق أنّ شركات الكهرباء تتعامل مع زيادة التكاليف في الوقت الذي ارتفعت فيه أرباحها بشكل صاروخي. عند النظر عن قرب يتضح لنا أنّ تكاليفهم لا ترتفع إطلاقاً عند مقارنتها بارتفاع الأسعار الذي يفوق أيّ ارتفاع محتمل للتكاليف.
لنسأل أنفسنا: ما هي التكاليف التي يواجهونها على الهامش؟ هل نتحدث عن أجور طواقم التنظيف؟ حراس الأمن؟ من الواضح أنّ الأسعار يتم تحديدها على جانب الطلب، وليست هناك أيّة تكاليف إضافية يمكنها أن تغطي أو تبرر هذا الانفجار في الأسعار.
- ألا تخشى الشركات أن تُنفّر المستهلكين بأسعارها الافتراسية؟ في أحد أعمالك شرحتَ بأنّ ارتفاع الأسعار الساعي إلى الربح في صناعة معالجة اللحوم يُبعد الكثيرين عن هذه اللحوم. ألا يُقلق هذا الشركات الساعية إلى الربح المفرط؟
من الصعب على المستهلكين الابتعاد بشكل عملي، خاصة عندما يتعلّق الأمر بالأساسيات مثل: الغذاء. يمكنك أن تُغيّر نظامك الغذائي في محاولة التأقلم، لكن هناك حدوداً لهذا التغيير. كما أنّ هناك مبدأً مركزياً في نظرية التسعير، مفاده: أنّه كلما كانت الصناعة أكثر تركزاً، كان التنسيق بشأن الأسعار أسهل. يحدث التنسيق أحياناً بشكل صريح، كأن يقوم صاحب عمل بالتقاط الهاتف والاتصال بمنافسه ودعوته لرفع الأسعار «في سورية مثال صريح: تنسيق شركتي الخليوي عبر الهيئة الناظمة للاتصالات– المترجم». أو يمكن أن يحدث ضمنياً بسبب تركّز الصناعات في يد قلّة يمكنهم أن يشعروا برفع الأسعار فيواكبوه.
الأمر الآخر، هو أنّ خطاب التضخم «يليّن الرؤوس الغاضبة». فالمستهلك اليوم وبفعل خطاب التضخم وارتفاع التكاليف يتسامح مع ارتفاع الأسعار أكثر. لا يعود يرى في الأمر شراً طالما أنّ الجميع يقوم به. ربّما هذا هو السبب الذي يجعلنا لا نرى المستهلكين يحتجون ويفرضون انضباط الأسعار. سيكون من الصعب التغلب على هذا الأمر بغير الاحتجاج الجماعي.
- بعض الاقتصاديين يقولون بعدم وجود علاقة بين تركّز الصناعة والأعمال في يد قلّة والتضخم الناجم عن رفع الأسعار. ما رأيك؟
اهتممت بشكل خاص في أبحاثي بمدى تركّز الأعمال والصناعات في يد قلّة وارتفاع الأسعار منذ 2020، وقد وجدت بأنّ الصناعات التي فيها أعلى مستوى من التركّز هي التي شهدت أعلى مستوى ارتفاع أسعار في 2021، فقد كانت العلاقة قوية جداً بحيث لا يمكن عدم ملاحظتها. كنت قادراً في 2020 على توقّع القطاعات التي ستشهد أكبر ارتفاعات في الأسعار، بناء على مدى التركز، ونجحت بذلك في 2021، وقمت بالأمر ذاته باستخدام قاعدة بيانات أكبر وتوصلت إلى النتائج ذاتها هذا العام.
بتصرّف عن:
How Corporations “Get Away With Murder” to Inflate Prices on Rent, Food, and Electricity
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1095