وحدة الحال الروسية الصينية في زمن انهيار القطب الواحد
مع التصعيد الجاري في حدة المواجهات الروسية الغربية في أوكرانيا، والتصعيد الموازي بين الصين والغرب أيضاً حول تايوان، يكتسب التفاعل بين الجانبين الروسي والصيني زخماً أعلى، بحيث تتجه الأنظار إلى تطورات العلاقة بينهما والتحديات التي سيتعين عليهما التصدي لها معاً خلال الفترة القادمة.
بيّن الصراع الجاري اليوم بشكل أكثر وضوحاً حدود التأثير السلبي الذي يمكن أن يحدثه خصوم روسيا والصين على علاقاتهما الاقتصادية. حيث يدرك الجميع أن روسيا والصين هما جزء من الاقتصاد العالمي، وعلاقاتهما الاقتصادية الخارجية تطورت في ظروف الهيمنة والتسيّد الغربي على العالم. لذلك، فإن تعاونهما الحالي سيتأثر حتماً بالحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد الجانبين. والسؤال المركزي في هذا السياق، هو ما إذا كانت روسيا والصين تستطيعان توسيع تعاونهما والحفاظ على صعودهما في الاقتصاد العالمي في ظل هذه الظروف.
السيادة والنمو والتعاون: نوع جديد من الشراكة
وفقاً لما يؤكده مسؤولو البلدين، لا تهدف الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين إلى السيطرة على الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية. بل يتمثل هدفها الرئيس في ضمان سيادتها وإمكانية تحقيق نمو مستقر لجميع الدول.
كما لا تقوم الشراكة الصينية الروسية على الحروب العدوانية أو تخريب المعاهد الدولية. بل على العكس من ذلك، ما انفك الجانبان يعلنان باستمرار تمسكهما بالدور المركزي للأمم المتحدة والقانون الدولي، ويدافعان عن المساواة بين جميع اللاعبين السياسيين العالميين ويدعوان لضبط النفس في استخدام القوة العسكرية.
بعبارة أخرى، إن ما يجري بين روسيا والصين هو نوع جديد من الشراكة الاستراتيجية التي لا تهدف إلى تثبيت وترسيخ مواقع احتكارية، كما يفعل الغرب، ولكن إلى خلق نوع جديد من العلاقات بين الدول في القرن الـ21. حيث تتمتع روسيا والصين بتجربة فريدة من نوعها في التفاعل في إطار بريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون، بوصفها مجموعات لا تخضع لهيمنة طرف واحد.
أوكرانيا وكسر نموذج الحرب الباردة
رغم التعويل الغربي على إحداث فالق في العلاقات الروسية الصينية إثر الوضع في أوكرانيا، اتضح أن هذا ليس سهلاً، ففي نهاية شهر شباط الماضي، وبعد فرض قيود على استخدام «سويفت» ضد الاقتصاد الروسي، أوضحت السلطات الصينية أن العقوبات المفروضة لن تتداخل مع طبيعة التجارة بين روسيا والصين. وبشكل عام، كان هذا السلوك هو السلوك السائد للصين حتى خلال التصعيد السابق للأزمة الأوكرانية في عام 2014.
في نيسان الماضي، أوضحت وزارة الخارجية الصينية علناً تصورها للأسباب الكامنة وراء نجاح العلاقات الروسية الصينية، حيث قالت إن «كلا الجانبين يرتقيان في علاقتهما فوق نموذج تكتلات الحرب الباردة، ويتعهدان بتطوير نموذج جديد للعلاقات الدولية يختلف تماماً عن عقلية الحرب الباردة التي دفعت بعض الدول إلى تشكيل تكتلات صغيرة ولعب لعبة دولية محصلتها صفرية».
التعاون هذا العام مستمر رغم التعقيدات
من الإنجازات الرئيسية للتعاون في مجال النقل بين الدولتين الانتهاء من الجزء الروسي من جسر نيجنلينسكوي - تيانجين للسكك الحديدية العابرة للحدود عبر نهر آمور إلى الصين في إحدى مناطق الحكم الذاتي في أواخر شهر نيسان 2022. وعلى حد تعبير نائب رئيس الوزراء الروسي يوري تروتنيف، فإن المشروع الروسي الصيني المشترك «سيكون عنصراً رئيسياً في طريق التصدير الجديد، الذي سيحفز على إنشاء مرافق إنتاج جديدة ومراكز لوجستية وتحسين إمكانية الوصول إلى النقل في عدة مناطق في وقت واحد في الشرق الأقصى الروسي».
وفي أوائل شهر أيار الماضي، أجرت منطقة تكنوبوليس موسكو الاقتصادية الخاصة وجيانغبي شينكيو، وهي منطقة تكنولوجية خاصة رئيسية في الصين، محادثات حول التعاون في مجال الإلكترونيات الدقيقة وتكنولوجيا المعلومات والطب الحيوي. ويكتسي هذا المشروع أهمية ليس فقط بالمعنى العلمي والتكنولوجي، ولكن أيضاً للتجارة الصينية والروسية، لأنه يسهل توسيع سلاسل التوريد البديلة المحتملة للمنتجات والمواد الخام والبحث عن التصدير ونقل التكنولوجيا.
الدعم الفعلي الصيني لروسيا بعيداً عن التبجح
تخطط العديد من الشركات الصينية التي تواصل عملياتها في روسيا لزيادة حجم الإنتاج أو الإمدادات. فعلى سبيل المثال، كشفت شركة Weichai Power، الشركة المطورة والمنتجة لمحركات الديزل، عن خطط لزيادة الإنتاج في مشروعها المشترك مع شركة KAMAZ.35. وبالإضافة إلى ذلك، زادت الصين من إمداداتها من أكسيد الألومنيوم «الألومينا Alumina» المستخدم في إنتاج الألمنيوم. وفي أيار الماضي، صدّرت الصين إلى روسيا 153,362 طناً من الألومينا بالإضافة إلى 134,480 طناً تم توريدها منذ بداية العام (أي ما مجموعه 287,840 طناً)، ما يعني أن الكمية زادت 417 ضعفاً مما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي!
والزيادة الواضحة في إمدادات المكونات الصينية إلى روسيا تؤرق الولايات المتحدة بشدة، حيث تعتبر الصادرات الصينية إلى روسيا شكلاً من أشكال تقديم المساعدة العملية للصناعات العسكرية الروسية. ونتيجة لذلك، أدرجت وزارة التجارة الأمريكية في شهر حزيران الماضي خمس شركات صينية جديدة إلى قائمة العقوبات، من بينها الشركات المنتجة للمعدات الإلكترونية Connec Electronic Ltd، وKing Pai Technology Co، وSinno Electronics Co.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1090