حتّى الغرب يقرّ بانهيار النظام الدولاري الوشيك
آندي موكريجي وجومو كوام آندي موكريجي وجومو كوام

حتّى الغرب يقرّ بانهيار النظام الدولاري الوشيك

لم تعد وسائل الإعلام الغربية قادرة على تجميل مسألة انهيار النظام المالي الأمريكي الوشيك، فيعمدون لاستخدام عبارات تلقي باللوم على روسيا والصين. لكنّهم في الحقيقة مضطرون مع ذلك للاعتراف بالحقائق القائمة، مثل: قيام الواشنطن بوست وبلومبرغ بنشر مقال عن أنّ اليوان الرقمي الصيني وآليات الاستجابة الروسية للعقوبات ستكسر هيمنة الدولار.

ترجمة: قاسيون

عماد السيطرة

يقوم نظام سويفت بإعلام المستخدمين، سواء دافعين أو مدفوع لهم على حدٍ سواء، بالمدفوعات التي تتم. وبالتالي، فإنه يتيح التحويل السلس والسريع للأموال عبر الحدود.
تأسس سويفت في عام 1973، وتم إطلاقه في عام 1977. يربط 11000 بنك ومؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة. يرسل النظام أكثر من 40 مليون رسالة يومياً، حيث يتم تداول تريليونات الدولارات الأمريكية في جميع أنحاء العالم.
يشترك في ملكيّة سويفت أكثر من 2000 بنك ومؤسسة مالية، ويديره البنك الوطني البلجيكي، جنباً إلى جنب مع البنوك المركزية لبلدان مجموعة العشر الكبار. كان من المفترض أن تقوم الملكية المشتركة للنظام بتجنيبه التورّط في النزاعات الجيوسياسية.
تمّ إنشاء نظام سويفت أثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ولا يزال يخضع بشدة لسيطرة الغرب. يتم استخدامه الآن لمنع مدفوعات صادرات الطاقة والزراعة الروسية.
ولكن إلى جانب وقف تدفق الدخل، فإنّه يؤدي إلى تآكل هيمنة الدولار الأمريكي. فمع تزايد فرض العقوبات، فإن مثل هذه الأعمال تثير مخاوف الأطراف الأخرى أيضاً. في حين أن التخويف قد ينجح أحياناً، فإنه يدفع أيضاً إلى اتخاذ إجراءات مضادة.
يشمل هذا التحضير للطوارئ، على سبيل المثال من خلال الانضمام إلى ترتيبات ونُظم المدفوعات الأخرى. قد تضمن هذه البدائل ليس فقط تحويلات مالية عبر حدود أكثر سلاسة، ولكن أيضاً أكثر أماناً.

الهيمنة المالية

يقع مقر سويفت في بروكسل، لكن يقع مركز بياناته في الولايات المتحدة. سويفت هو «مركز رقابة مالي» يسمح لواشنطن بمراقبة التدفقات المالية العابرة للحدود. لكنّ عمليات المراقبة الفعلية تأتي من نيويورك، حيث تتمّ 95٪ من مدفوعات العالم بالدولار من خلال تشيبس «نظام مدفوعات المقاصة بين البنوك CHIPS» الذي يضمّ 43 مؤسسة مالية.
قرابة 40٪ من المدفوعات العالمية العابرة للحدود تتمّ باستخدام الدولار. يقوم نظام تشيبس بتسوية مطالبات بقيمة 1,8 ترليون دولار أمريكي يومياً. وبالنظر إلى أنّ جميع أعضاء تشيبس لديهم مكاتب في الولايات المتحدة، فهم يخضعون لقانون الولايات المتحدة بغض النظر عن مواقع إداراتهم وملكيتها.
لم تغفل عيون غير الراضين عن الهيمنة الأمريكية، كما في بكين، عن تشيبس بوصفه أداة للهيمنة. لهذا وبهدف تفادي النير البنكي لنظام تشيبس الأمريكي، أعدّت الصين نظامها «للمدفوعات العابرة للحدود– سيبس CIPS». يقوم سيبس بتسوية المطالبات الدولية باليوان، ويمكنه تشغيل شبكة رسائل خاصة به. لكن حتّى آذار الماضي كانت لا تزال 40٪ من المدفوعات العالمية تتمّ بالدولار، مقابل 3٪ فقط باليوان، وهذا يُصعّب عملية استبدال نظام المدفوعات.
يأتي هنا دور اليوان الرقمي ليدخل في الصورة.

تغيير قواعد اللعبة

العملة الرقمية الصينية «جاهزة تقنياً» للاستخدام العابر للحدود، وذلك وفقاً لورقة بيضاء تمّ نشرها العام الماضي من قبل البنك المركزي الصيني. ورغم أنّها «مصممة حالياً بشكل أساسي للاستخدام المحلي» فهذا قابل للتغيير في أيّة لحظة. إن اضطرت شركة صينية أو فرد صيني لمواجهة التهديد بعدم القدرة على إرسال المال عبر البحار، لأنّ تشيبس لن يقوم بالمقاصة، أو لأنّ سويفت لن يجري التحويل، سيمكن على الدوام إقناع وسيط في دولة صديقة بقبول اليوان الرقمي.
لن يواجه الوسيط خطر ائتمان، فهو يتعامل مع عملة سيادية تدعمها مؤسسات ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ولن يكون عليهم مواجهة خطر التسويات. جميع المعاملات ستكون «نووية Atomic»، ما يعني بأنّ الأموال ستتغيّر بأشكال رمزيّة دون تعريض أيّ من الأطراف المتعاملة بها لحالة فوضى ناجمة عن عدم تلقي البضائع التي دفعوا ثمنها. بالنسبة للوسطاء، سيكفيهم وجود أيّ مجال عمل، أو دولة أو شركة في العالم تريد الحصول على البضائع الصينية كي يطلبوا منهم الحصول على اليوان الرقمي.
لن تراقب سويفت عمليّة التحويل، ولن تكون هناك حاجة لتشيبس كي تجري مقاصة عليها. في الحقيقة، لن تكون هناك حاجة إلى وجود أيّ بنك غربي ليجري عملية نقل الأموال العابرة للحدود. وحتّى في حال قامت الولايات المتحدة بمنع شركات التمويل من ممارسة الأعمال التجارية مع الصينيين، فلن تكون قادرة على منع شركاتها التي تريد التعامل مع الصين من التعامل مع الكيانات المالية في بلد ثالث، والتي ستشتري العملات الرقمية الصينية، وتبادلها مع الشركات الأمريكية بالدولار، أو بأيةّ عملة رقمية مقبولة أمريكياً في سوق العملات المشفرة.

الهيمنة المنحلّة

منذ بداية القرن الحالي والمحاولات جارية على قدم وساق لتنويع البلدان من احتياطاتها من النقد الأجنبي. انخفضت حصّة الدولار الأمريكي من احتياطات العملات الأجنبية في جميع أنحاء العالم من 71٪ في 1999 إلى 59٪ في 2021. وصل الأمر إلى الخوف من انهيار هيمنة الدولار إلى قيام الكيان الصهيوني– ربيب الأمريكيين– في 2022 بتنويع احتياطاته واستبدال جزء من حصته من الدولارات بعملات رئيسية أخرى من بينها العملة الصينية.
كانت العقوبات المفروضة من الغرب- والتي أدت إلى قطع البنوك الإيرانية عن شبكة سويفت- بداية وضع أسس حقيقية لإنهاء الهيمنة الدولارية. طورت الصين نظامها سيبس CIPS في 2015 للدفع بين البنوك عبر الحدود. بحلول عام 2021 كان نظام سيبس يضمّ 80 مؤسسة مالية كأعضاء، بما في ذلك 23 بنكاً روسياً.
لا أحد يثق بالنظام المالي الأمريكي بعد اليوم، فقبل أن تقوم الولايات المتحدة بالاستيلاء على 300 مليار دولار من الأصول الروسية، صادرت حوالي 9,5 مليار دولار من الاحتياطات الأفغانية، و342 مليون دولار من الأصول الفنزويلية. ربّما لهذا- في نهاية عام 2021- كانت روسيا تملك ما يقرب من ثلث احتياطات العملة الصينية العالمية، ولهذا ينظر الكثيرون إلى العقوبات الغربية ضدّ روسيا على أنّها نقطة تحوّل في العالم.
صرّح بوتين العام الماضي بأنّ الولايات المتحدة تقضم اليد التي تطعمها، من خلال تقويض الثقة في النظام المتمركز حول الولايات المتحدة. وحذّر من أنّ «الولايات المتحدة ترتكب خطأ فادحاً في استخدام الدولار» كأداة للعقوبات.
يظهر هذا جزءاً هاماً ممّا تعنيه أن تكون الولايات المتحدة قوة مهيمنة، فهو أمر ذي قيمة طالما أنّ عواقب استخدامه القسري لا تؤدي إلى انهيار المؤسسات المالية الأمريكية. عندما يتمّ استخدام الأدوات المالية كسلاح، وخاصة لمدة طويلة، فالنتيجة ستكون تشجيع المنافسين على البحث عن بديل قابل للحياة. أظهرت عملية إخراج روسيا شبه الكامل من سويفت بأنّه ستكون لدينا الفرصة لمراقبة حدوث هذا عن كثب.

بتصرّف عن:
China Can Bypass SWIFT by Putting Digital Money in Play
SWIFT dollar decline

معلومات إضافية

العدد رقم:
1075
آخر تعديل على الإثنين, 20 حزيران/يونيو 2022 14:50